--!> المقال العاشر: السحر
Slider

جديدنا:

  • تم افتتاح كلية العلوم الطبية في تخصصات الطب
    البديل والتكميلي وغيرها.. بجميع الدرجات العلمية (بكالوريوس – ماجستير –
    دكتوراه) وبنظام الدراسة عن بعد أو معادلة الخبرات – وبتصديق من التعليم العالي
    والخارجية والسفارات – للتفاصيل اضغط هنا
  • اعتماد الدورات من كليات عالمية وتوثيق من الخارجية والسفارات.
  • يمكننا تشخيص حالتك وعمل جلسات الرقية الشرعية عن بعد: اضغط هنا للمزيد…

المقال العاشر: السحر


المقال العاشر: السحر

فَهْمُ السُّؤالِ هوَ نِصْفُ الإجابة، وَبمِا أننَّا نتكلَّمُ عَنْ تشخيصِ السِّحرِ وَعِلاجِهِ فلاَ بُدَّ مِنْ استِيعابِ بَعضِ المفاهيمِ المُهِمَّةِ عنهُ، فتعريفه لُغَةً الأَخْذَةُ وَكُلُّ مَا لَطُفَ مَأْخَذُهُ وَدَقَّ[1] أو الأخذة التي تأخُذُ العين[2]، أما شرعاً فالسحر الآثم المحرم هو عَمَلٌ تُقُرِّبَ فِيهِ إِلى الشَّيْطَانِ وَبِمَعُونَةٍ مِنْهُ[3]، والتعريف الأدق هو السحر الذي ورد في الآية 102 من سورة البقرة والذي استخرجته الشياطين من تحت كرسي سليمان عليه السلام، وكذلك ما ادُّعِيَ أنَّه أتى به الملكان هاروت وماروت[4].

ونلخِّصُ تفاصيل السحر بتقسيمه إلى أنواعٍ وأصنافٍ كالتَّالي:

أ-) أنواعُ السِّحر من حيثُ السَّاحرِ أو طَالِبِ السِّحر:

1)- أن يكون الذي سَحَرَك جِنٌّ داخل جسدك، دخل إلى جسدك بأي طريقة سواء عن طريق عَينٍ أو سِحرٍ أو غيرِ ذلك، وأصبحَ يَعْشَقُكَ ويعملُ السَّحرَ لِيبقَى دَائماً فيِ جَسَدِك، وسِحرُه غالباً عِبارَة عَنْ عُقَدٍ تُشبهُ السِّحْرَ المأكولَ أو المشروبَ فيِ الصِّفَات والمزايا.

2)- أن يكونَ الذي طلبَ السَّحرَ إنسانٌ، حاسِدٌ مبغِض، وقدْ يكونُ عَامِّياً جَاهِلاً طَيِّباً غيرَ مُدرِكٍ لخطورةِ السِّحرِ، أَوْ لاَ يُمَيِّزُ بين السِّحْرِ وَالرُّقية، فيذهبُ هذا الشَّخصُ إلىَ سَاحِر، وَيشْرَحُ لهُ مَا يُريدُ أَنْ يَفْعَلَهُ بِالمسْحُور، فَإِنْ كَانَ حَاسِداً طَلَبَ الشَّرَّ مِثلَ التَّفرِيقِ بينَ المسحورِ وزوجِه، أو صرْفِهِ عَنْ عملهِ أو تجارتِهِ ومَا إلىَ ذلك، وإنْ كانَ طالبُ السِّحرِ سَاذِجاً غَبِيًّا طيِّباً طَلَبَ مَا فيه خيرٌ للمسحور، مثلَ أنْ ينجحَ المسحورُ في دارستهِ أو في عملهِ، أو يُوَفَّقَ في زواجه أو مهمته، أمَّا السَّاحرُ فشيطانٌ إنسِيٌّ لا خَيْرَ يُرجى مِنْه، فيَعملُ السِّحرَ بطريقتِهِ ثمَّ يُعطي أجزَاءَ السِّحرِ لِمَنْ طَلَبه، وهذهِ الأجزاءُ عبارة عنْ أشياءَ مادِّية محسُوسَة ، لِيقوم طالبُ السِّحرِ بتوزِيعِ هذهِ الأجزاءِ فيِ المكانِ الذي يَطلبُ مِنهُ السَّاحرُ وَضْعَهَا فِيه. وليسَ للجِنِّ أيُّ دَخلٍ في هذا التَّوزِيع. ولإزالةِ هذهِ الأجزاء لا بُدَّ مِنْ إنسانٍ يرفعُ مَا وَضَعَهُ الإنسانُ الذي طَلَب السِّحر، ولا دخلَ للجنِّ في ذلك أيضاً. فالسِّحرُ الذي وضعهُ اليَهودِيُّ للرَّسولِ صلى الله عليه وسلم لمْ يَستخرجْهُ جبريلُ عليه السلام ولا الجِنّ، بلِ اسْتخرجَهُ الصحابة رضوان الله عليهم[5].

ب)- تصنيفُ السِّحْر مِنْ حيثُ المسّ[6]:

1)- بعضُ الأسْحَار تسبِّبُ مسَّاً دَاخليَّاً.

2)- وبعضُها تَتسبَّبُ بمَسٍّ خَارجي لا يدخُلُ الجسم.

3)- وبعضُها يَتسبَّبُ الجِنُّ فيهَا بالتَّحكمِ في القرين.

4)- وبعضُهَا ليسَ لَهُ عِلاقةٌ بِالجِنّ، ولا يُسبُّبُ أيَّ نوعٍ مِن المسّ، بلْ هوَ تغييرٌ للطبيعةِ حولَ المسْحُور، وهذا مِثل سِحْرِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم.

جـ)- تصنيفُ السِّحرِ مِنْ حَيْثُ نوعِيَّة الإضرَار:

1)- بعضُها تتسبَّبُ بمرَضٍ نَفْسَاني كالوَسْوَسَة والاكْتِئَاب والمحبة والكراهية والجنُون وَغيرِهَا.

2)- وبعضُها يتسبَّبُ بمرضٍ عُضْوِي كاَلنَّزِيفِ والسَّرَطانِ وفشل الأعضاء وغير ذلك.

3)- سِحْرٌ يَضُرُّ التَّخيُّل. وهذا مِثل سِحْرِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم.

4)- سحرٌ يسبب الصَّرف أو التعطيل، فلا يستطيع المريض إنجاز ما يريد، لكن لا يُعاني من أمراض في جسمه.

5)- سحرٌ يؤدي إلى سلب المريض ما يملكه.

6)- سحرٌ قد يؤدي إلى التحكم في أفكار المريض وأعماله.

7)-  سحرٌ قد يجتمع بسببه أكثر من ضرر مما سبق، وقد تكون هناك أنواع أخرى لم يتم ذكرها.

د)- تصنيفُ مَوَاد وَأَجْزَاءِ السِّحْر:

1)-  السحر الكيميائي (العناصر الأربعة):

ينقسم هذا السحر إلى أربعة عناصر، وهي المائي والترابي والناري والهوائي. (هناك تفصيل واسع سيتم شرحه في الدورات الخاصة بالرقية والسحر بمشيئة الله)

هناك السحر المرتبط بالجسد وهو ما كان داخلاً فيه أو ملاصقا له، وهناك الحيز أي ما كان قريباً من المسحور في مكان سكنه أو عمله أو دراسته أو غير ذلك، وكلها تؤثر على المريض، وتجدد هذه الأسحار في شهر صفر أو رجب أو كليهما، ولذلك إذا دققت النظر فإنك ستجد الكثير من الناس المسحورين يمرضون في هذين الشهرين.

وربما يُعمل للشخص سحر من عنصر واحد (مثلاً ترابي فقط)، وربما أكثر من عنصر. وأغلبُ مشاكلِ المسحُورينَ معَ الرُّقاةِ في أيَّامنا تَكْمُنُ أنَّ أغْلَبَ الرُّقاة لا يعرِفُون إلاَّ علاجَ جزء الجسد للمَسْحُورِين، فَيُخْرِجُونَ ما في الجَسَدِ من سحر أو بعضه، أو يقطعون موجات السحر الواصلة إلى الجسد، وَمَا هيَ إلاَّ لحَظَات وَيمُرُّ هذا المسْحُورُ مِنْ أَمَامِ الحيز فيتَجدَّد مَعَهُ السِّحر، أو إذَا جَاءَ شَهْرُ صَفَر أو رَجَب جَدَّدَ الرَّمزُ بَقِيَّةَ الأسحار، وعندمَا يَعُودُ المريض إلى الرَّاقي يقولُ لهُ الرَّاقي لعلهم سحروك مرة أخرى، والحقيقة أنَّه لم تبطل كل الأسحار التي على المريض خاصة المكلَّفة بتجديد السحر تلقائيا.

2)-  السحر الأثيري:

وهو الذي يتم عمله باستعمال أحد آثار المريض، فيؤخذ من شعره أو ظفره أو صورته أو آثار دعسته أو ملابسه أو أحد ممتلكاته الشخصية أو غير ذلك كثير. وهذا السحر هو ما تم عمله لرسول الله r .

3)- السحر الفيزيائي (الفَلَكِي):

وهو ربط سحر كيميائي أو أثيري بأحد رموز الفلك، مثل الشمس أو القمر أو النجوم أو الكواكب، أو ربطه باسم أم المريض، أو والده. وقد يكون السحر الفيزيائي منفرداً بلا ربط.

هـ)- تصنيف السحر من حيث المعمول له:

1)- قد يكون السِّحر خاصاًّ بالمريض معمولاً له مباشرة.

2)- وقد يكون السِّحر خاصاًّ بشخص قريب للمريض ولكن يؤثر على المريض، مثلا يكون على الزوج ويؤثر كذلك على الزوجة، أو مثلاً يكون على الوالدة ويؤثر كذلك على الأطفال.

3)- وقد يكون سحراً عاماًّ ويشمل المريض، مثلاً سحر لجميع الموظفين، أو سحر لكل من دخل المطعم الفلاني.

و)- تصنيفُ السِّحرِ منْ حيثُ وُجوبِ الإبطال:

1)- أسحارٌ لا يَلزم اسْتخراجُهَا أوْ معرفةُ مَكانهَا، وهيَ مثل السِّحْرِ الذي أُصيبت به عَائشةُ رضيَ اللهُ عنهَا، وقيلَ هيَ التي تَكونُ رُموزاً في حوزةِ السَّاحِر، أو سحراً بعيداً عن المسحور لا يتجدد.

2)-   أسحارٌ تَتجدَّدُ تِلقائيًّا ولاَ علاجَ معهاَ إلاَّ بإِبطالهُا بعدَ معرفةِ مكانِهاَ، وهذا مثل السِّحْرِ الذي أُصيب به الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم. وقدْ تسبَّبَ عدمُ فَهمِ هذهِ المسألةِ في لغطٍ كبيرٍ بينَ الرُّقاةِ والمرْضَى، حيثُ يَظنُّ بعضُ النَّاس أنَّ الرُّقيةَ كافيةٌ لإبطالِ هَذا السِّحر، وعندمَا تَتَحسَّن صِحَّتُهُ يَظنُّونَ أَنَّ السِّحرَ بَطُل، وَعِندمَا يُجدَّدُ السِّحرُ نَفسَهُ يظنُّونِ أنَّهُ تمَّ عَملُ سِحْرٍ جديدٍ له أو أنَّ السَّاحِرَ جَدَّدَ السِّحْر، وَهَذَا خَطأ، والحقيقةُ أنَّ السَّاحرِ مُنذُ أنِ اسْتَلَمَ أُجْرَتَه وَأعْطَى الأشياءَ فإنَّه قَدْ نسِيَ المسحور وتركَه ولنْ يبحثَ وراءه ليُجدِّدَ له، والذي طلبَ السِّحْرَ لَيسَ منَ المعقُولِ (غَالِباً) أنْ يَدفعَ كلَّ مرَّة مبلغاً ليُجدِّد السِّحْر. وإذا عُرِف السَّبَب بَطُلَ العَجَب.

أماكن السحر:

هذه الأماكن تكون دائماً قرب مكان تواجد المسحور حتى تؤثر بشكل فعال، أو في الأماكن التي يتردد إليها دائما، وكُلَّما ابتعد المسحور عن سحره خَفَّ التَّأثير عليه، وقد شرحت في الباب الثاني كيف يمكن معرفة هذه الأماكن. ولقد ظن بعض الناس أن مكان السحر من علم الغيب، وأقول كيف يكون من علم الغيب والساحر هذا إنسان مثلك له أبوان من البشر مثلما لك وهو الذي أعطى بيديه السحر لطالب السحر وقال له أين يضعه، والذي طلب السحر أيضاً إنسان وبشر يعرفك ويعرف مكانك ويتابعك، وهو الذي وضع السحر بيديه في المكان الذي أمره الساحر بذلك، فكيف يكون مكان السحر من علم الغيب، إن كان شخص لا يعرف طريقة معرفة مكان السحر فعليه بالصمت فهو خير له، أما أن يبرر عدم معرفته بادعاء أن ذلك من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، فهذا ادعاء خطير لا يصح وافتراء على الله عز وجل. ومنهم من يقول أن السحر لا يمكن معرفة مكانه إلا بالرؤى، فنقول هات دليلاً من القرآن والسنة على ما قلت، صحيح أن بعض المسحورين قد يُريه الله سبحانه وتعالى مكان السحر في الرؤيا فضلاً منه ونعمةً وتكرُّماً على المسحور، لكن هذا لا يدل على حصر وتقييد طريقة معرفة مكان السحر.

العلاج:

تم شرحه بالتفصيل في فصل علاج السحر في الباب الثاني.

ملحوظة:

انتشر في زمننا ما يعرف بخفة اليد، وحركات الخدعة من دون استعانة بالجن أو الشياطين، وعُرف هذا الأمر بالسحر، ويسمى من يفعله بالساحر، لكن هذا ليس بالسحر المراد به في سورة البقرة، وليس كذلك نوعاً من سحر التخييل (الذي وقع لموسى عليه السلام)، حيث أن سحر التخييل يندرج في السحر المذكور في تعريف سورة البقرة. والشبه بين سحر خفة اليد وبين السحر الحقيقي أو الشيطاني هو مثل الشبه بين مسدس الأطفال الذي لا يُخرج ماء ولا صوتاً وبين المسدس الحقيقي الذي يقتل الناس. فكلاهما يسمى مسدساً، لكن شتان بين هذا وهذا، وكلاهما أحكامها تختلف عن الآخر. وأحكام سحر خفة اليد هي مثل أحكام المواد الترفيهية. واتهام من يفعلها بالاستعانة بالجن والشياطين ادعاء لا بد له من بينة واضحة، وإلا يصبح المدعي خصما للمدعى عليه أمام الله سبحانه وتعالى، والله تعالى أعلم.

وقد شرح الإمام ابن القيم سحر التخييل الذي تعرض له موسى عليه السلام والحاضرون فقال رحمه الله : (وقد قال تعالى عن سحرة فرعون أنهم {سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم} [الأعراف: ١١٦] فبيَّن سبحانه أنَّ أعيُنَهم سُحرت وذلك:

1- إمَّا أنْ يكون لتغيير حصل في المرئي وهو الحبال والعصي مثل أن يكون السحرة استعانت بأرواح حركتها وهي الشياطين فظنوا أنها تحركت بأنفسها، وهذا كما إذا جر من لا يراه حصيرا أو بساطا؛ فترى الحصير والبساط ينجر؛ ولا ترى الجار له؛ مع أنه هو الذي يجره، فهكذا حال الحبال والعصي التبستها الشياطين فقلَّبتها كتقلب الحية فظن الرائي أنها تقلَّبت بأنفسها، والشياطين هم الذين يقلبونها.

2- وإمَّا أن يكون التغيير حدث في الرائي حتى رأى الحبال والعصي تتحرك وهي ساكنة في أنفسها.

ولا ريب أنَّ الساحر يفعل هذا وهذا فتارة يتصرف في نفس الرأي وإحساسه؛ حتى يرى الشيء بخلاف ما هو به، وتارة يتصرف في المرئي باستعانته بالأرواح الشيطانية حتى يتصرف فيها)[7].

ثم ذكر رحمه الله فائدة بديعة فقال : (وأماَّ ما يقوله المنكرون من أنهم فعلوا في الحبال والعصي ما أوجب حركتها ومشيها مثل الزئبق وغيره حتى سعت فهذا باطل من وجوه كثيرة، فإنَّه لو كان كذلك لم يكن هذا خيالا بل حركة حقيقية، ولم يكن ذلك سحرا لأعين الناس، ولا يسمى ذلك سحرا، بل صناعة من الصناعات المشتركة، وقد قال تعالى: {فإذن حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} [طه: ٦٦]. ولو كانت تحركت بنوع حيلة كما يقوله المنكرون؛ لم يكن هذا من السحر في شيء، ومثل هذا لا يخفى. وأيضا لو كان ذلك بحيلة كما قال هؤلاء لكان طريق إبطالها إخراج ما فيها من الزئبق وبيان ذلك المحال، ولم يحتج إلى إلقاء العصا لابتلاعها، وأيضا فمثل هذه الحيلة لا يحتاج فيها إلى الاستعانة بالسحرة بل يكفي فيها حذاق الصناع، ولا يحتاج في ذلك إلى تعظيم فرعون للسحرة وخضوعه لهم ووعدهم بالتقريب والجزاء، وأيضا فإنه لا يقال في ذلك إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فإن الصناعات يشترك الناس في تعلمها وتعليمها)[8].


[1] مختار الصحاح.

[2] العين للخليل.

[3] تهذيب اللغة للأزهري نقلاً عن الليث بن المظفر.

[4] اختلف في تفسير قوله تعالى {وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت} فقال بعضهم أن ما نافية بمعنى لم ينزل السحر على الملكين.

[5] سيأتي شرح حديث سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفصل التالي.

[6] تم شرح المس في فصل مستقل.

[7] بدائع الفوائد لابن القيم.

[8] بدائع الفوائد لابن القيم.

آخر فعاليات الأكاديمية:

Open chat تواصل معنا
مرحبا.. كيف يمكننا خدمتك؟
Hi.. Can we help you?