جديدنا:

  • تم افتتاح كلية العلوم الطبية في تخصصات الطب البديل والتكميلي وغيرها.. بجميع الدرجات العلمية (بكالوريوس – ماجستير -دكتوراه) وبنظام الدراسة عن بعد أو معادلة الخبرات – وباعتماد من التعليم العالي والخارجية والسفارات – للتفاصيل اضغط هنا
  • اعتماد الدورات من كليات عالمية وتوثيق من الخارجية والسفارات.
  • يمكننا تشخيص حالتك وعمل جلسات الرقية الشرعية عن بعد: اضغط هنا للمزيد…

المقال الخامس: القرآن أم الأسباب؟


المقال الخامس: القرآن أم الأسباب؟

يقول الله سبحانه وتعالى {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} [الإسراء: ٨٢] ويقول سبحانه وتعالى {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء} [فصلت: ٤٤]، وفي الحديث كما ذكرت أن الصحابة رَقَوْا مَن لَدَغَهُ العقربُ بسورة الفاتحة فشفاه الله[1]. ولذا يتساءل كثير من الناس فيقول، القرآن كلام الله بين أيدينا، وهو كلام العظيم الشافي الجبار، فلماذا لا أكتفي به دون الأخذ بأي أسباب أخرى؟

والجواب على ذلك أنَّ الله سبحانه وتعالى لما أنزل كتابه الكريم، فإنّه أنزله على خير خلقه صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يشرح لنا ما نفعل وما نعمل، وصحابته رضي الله عنهم هم من فهموا القرآن على الوجه الأكمل وطبقوه، ولنجيب على هذا السؤال يجب علينا النظر إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى سيرة صحابته رضي الله عنهم. وإذا فعلنا ذلك فسنجد ما يلي:

أولاً: لم يستدل أحد من السلف الصالح أن الآيات المذكورة دليل على الشفاء العام من كل مرض، وإنما جاء في تفسير الطبري في شرح الآية الأولى :”وننزل عليك يا محمد -صلى الله عليه وسلم- من القرآن ما هو شفاء يستشفى به من الجهل ومن الضلالة”، وفي تفسير ابن كثير ” يُذْهِبُ مَا فِي الْقُلُوبِ مِنْ أَمْرَاضٍ، مِنْ شَكٍّ وَنِفَاقٍ، وَشِرْكٍ وَزَيْغٍ وَمَيْلٍ، فَالْقُرْآنُ يَشْفِي مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ”. أما شرح الآية الثانية في تفسير الطبري “ يعني أنه شفاء من الجهل”، وفي تفسير ابن كثير ” أَيْ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ-صلى الله عليه وسلم-: هَذَا الْقُرْآنُ لِمَنْ آمَنَ بِهِ هُدًى لِقَلْبِهِ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ مِنَ الشُّكُوكِ وَالرَّيْبِ”، فلا نجد أحداً فسَّر ذلك بأنَّهُ شفاء لكل الأمراض جميعها، ومن فعل ذلك فإنهَّ أتى بعد عهد السلف رحمهم الله. أماَّ حديث العقرب فهو من الرقية، وهذه لها طرقها وتخصصها وإن كانت ناجعة لأمراض كثيرة فإنها تبقى ليست علاجا عاماً وشاملاً لكل أمراض البشر، فهناك الكثير من الأمراض لم يعالجها السلف بالرقية، وثبت بتجربتنا أن الرقية لا تعالج هذه الأمراض.

ثانياً: لو افترضنا أنَّ هنا شفاء تعني للأمراض العضوية كذلك فإنها جاءت بصيغة النكرة وليس المعرَّفة، لأنَّ المعرَّفة أي “الشفاء” تقتضي التعميم والكمال، أما “شفاء” نكرة بدون أل للتعريف، فقد تعني التبعيض والنسبية، يعني شفاء لبعض الأمراض، أو بعض الشفاء للأمراض.

ثالثا: إِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكتف بالقرآن للعلاج، ولم يأمر صلى الله عليه وسلم أصحابه رضوان الله عليهم بذلك. بل إنَّ مما ورد إلينا من الأحاديث (عَلَيْكُمْ بِالشِّفَاءَيْنِ: الْعَسَلُ وَالْقُرْآنُ)[2] وإن اختُلِف في درجة هذا الحديث ونسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه صحَّ موقوفا على عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه ومن الممكن الائتناس به بما يوافق فعله وسيرته صلى الله عليه وسلم. فهذا الحديث ليس فيه أمر بالاكتفاء بالقرآن، بل حث على استخدام العسل الذي هو دواء مادي محسوس وسبب دنيوي، وهو شفاء مصداقا لقوله تعالى {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس} [النحل: ٦٩]، والعسَلُ هنا قُدِّم على القرآن، ويقوم الإمام ابن القيم عن هذا الحديث: “ فَجَمَعَ بَيْنَ الطِّبِّ الْبَشَرِيِّ وَالإِلَهِيِّ، وَبَيْنَ طِبِّ الأَبْدَانِ وَطِبِّ الأَرْوَاحِ، وَبَيْنَ الدَّوَاءِ الأَرْضِيِّ وَالدَّوَاءِ السَّمَائِيِّ”[3].كذلك قد ورد عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: لَدَغَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَقْرَبٌ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ-صلى الله عليه وسلم-: (لَعَنَ اللهُ الْعَقْرَبَ لَا تَدَعُ مُصَلِّيًا وَلَا غَيْرَهُ)، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ وَمِلْحٍ، وَجَعَلَ يَمْسَحُ عَلَيْهَا وَيَقْرَأُ بِـ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، (وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) [4]. فهذا الحديث كذلك فيه جمع بين العلاج بالقرآن وبين العلاج المادي اللذان هما الملح والماء.

 ولو زدنا النظر في سيرته صلى الله عليه وسلم فإنَّ أخذ السبب الدنيوي المادي للعلاج كان دائما أساساً وأصلاً في وصفاته الطبية صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي فهمه الصحابة رضي الله عنهم وطبقوه من بعده صلى الله عليه وسلم. فلا ينبغي لنا مخالفة سنته صلى الله عليه وسلم بأن نكتفي بالقرآن الكريم علاجاً واستشفاء ونترك الأسباب الدنيوية، بل نجمع بين الاثنين كما علَّمنا مُعلِّمنا ورسولنا صلى الله عليه وسلم. وأخشى أن يكون القول بالاكتفاء بالقرآن للعلاج بدعة ضلالة لمخالفتها السنة النبوية وفهم السلف الصالح.

مسألة:

يكثر أيضاً قول بعضهم إن الله قادر على علاجي وشفائي من دون أي جهد مني وبذل أي سبب، فلماذا ألجأ إلى الأسباب وأبحث عن العلاج؟

والجواب على ذلك أنه صحيح أن الله قادر على شفائك من دون أسباب، وقادر أن يمتعك بالصحة كل حياتك من دون أن تمرض، وقادر أن يرزقك من دون أن تكد وتعمل، بل قادر على أن لا يجعلك تجوع وتحتاج إلى طعام أو هواء، كل ذلك ربنا قادر عليه فهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، لكن مشيئته وإرادته سبحانه وتعالى أن تكون الحياة بلا مرض و لا جوع  فذلك في الجنة لا في الدنيا. وهو الذي خلق لنا هذه الحياة الدنيوية الفانية، ثم هو الذي سن لها قوانينها وجعل لها نظاما لا بد منه، ومن هذه القوانين والأنظمة أن تتخذ العلاج والأسباب للشفاء، ولو كان لأحد أن يشفى بلا سبب لكان الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم أولى بذلك، فهذا أيوب عليه السلام بعد معاناته من المرض جعل الله له سببا يفعله ليشفى فقال له سبحانه وتعالى {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} [ص: ٦٩] ، ولماَّ شاء الله أن يولد عيسى عليه السلام كمعجزة في تاريخ البشرية؛ أمر أمه الصديقة مريم عليها السلام بقوله سبحانه وتعالى {وهزّي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جَنِيّا} [النحل: ٦٩] وذلك لتتغذى وتخفف من آلام مخاضها وتتيسر معها الولادة، وهذا صلى الله عليه وسلم سيد البشر وأفضل الأنبياء وأحب المخلوقات إلى الله سبحانه وتعالى كم عانى من مرض شديد؛ لكنه صلى الله عليه وسلم تداوى وأخذ بالعلاجات الدنيوية والعلوم الطبية. ولا يمكن لأحد أن يكون أفضل منه صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز لأحد مخالفة هديه وسنته صلوات ربي وسلامه عليه.

ولِنتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين سُئِلَ :صلى الله عليه وسلم أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا؛ هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ شَيْئًا؟ قَالَ-صلى الله عليه وسلم-: (هِيَ مِنْ قَدَرِ اللهِ)[5].

والعجب أنَّ كل الناس إذا تعرض لكسر أو جرح فإنه لا يكتفي بالقرآن والرقية؛ بل تجده مسارعاً إلى المستشفى وهذا بديهي وطبيعي، ولكن إذا أصيب بعضهم بمرض روحي قد يؤدي إلى إتلافه وموته وتضرره هو وأهله تجده يعاف الأسباب الدنيوية والعلاجات المادية، فَلِمَ التفريق؟.

ملحوظة:

بعض الناس حين يكتفي بالقرآن ولا يُشفى به فإنَّه يرمي سبب ذلك إلى قلة اليقين ونقص الإيمان وعدم التوكل على الله حق التوكل، وهذا سبب خاطئ، بل الصواب أنَّ السبب هو مخالفته لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك مخالفة القوانين الكونية التي وضعها الله عز وجلّ.

الكرامات:

الكرامات هي ما يُظهره الله عز وجل على بعض عباده المتقين من أشياء خارقة للعادة وللقوانين الكونية، وإذا جرت على أيدي الرسل صلوات ربي وسلامه عليهم فإنها تسمى معجزة، وهذه هدية من الله سبحانه وتعالى، لعلاقة بين الله وبين هذا العبد، والناظر في السُّنة يجد أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأخذ بالقوانين الكونية والأسباب المادية، ثم تأتيه المعجزة من الله سبحانه وتعالى، كذلك كانت سُنَّة صحابته رضي الله عنهم من بعده، ونحن علينا كذلك اتباع هذه السُّنة باتخاذ جميع الأسباب التي خلقها الله عز وجل وأباحها، فإن جاءت كرامةٌ من الله فهي هديةٌ منهُ ومِنَّةٌ وتكريمٌ وتشريف.

ملحوظة:

يقول ابن القيم رحمه الله (فَالْقُرْآنُ هُوَ الشِّفَاءُ التَّامُّ مِنْ جَمِيعِ الْأَدْوَاءِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ، وَأَدْوَاءِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَا كُلُّ أَحَدٍ يُؤَهَّلُ وَلَا يُوَفَّقُ لِلِاسْتِشْفَاءِ بِهِ، وَإِذَا أَحْسَنَ الْعَلِيلُ التَّدَاوِيَ بِهِ، وَوَضَعَهُ عَلَى دَائِهِ بِصِدْقٍ وَإِيمَانٍ، وَقَبُولٍ تَامٍّ، وَاعْتِقَادٍ جَازِمٍ، وَاسْتِيفَاءِ شُرُوطِهِ، لَمْ يُقَاوِمْهُ الدَّاءُ أَبَدًا)[6].

ونقول إن كان المقصد أنَّ العمل بما جاء به القرآن فيه الشفاء التام من كل الأمراض فإنَّ هذا كلامٌ صحيحٌ لا شك فيه، ومما يُعلِّمُنا القرآن أن نتبع سُنَّةَ الرسول صلى الله عليه وسلم وفَهْمَه، وَيُعلِّمُنا القرآن كذلك كما أسلفتُ بأنَّ نبي الله أيوب عليه السلام لَزِمَهُ فعل سبب ليشفى، وأن عيسى عليه السلام لما شفى الله به الأكمه والأبرص بلا سبب كان ذلك معجزة له وليس لغيره، فهو القرآنُ نفسه يُعلِّمُنا الأخذ بأسباب العلاج وبذلك يجب العمل للشفاء.

وإن كان المقصود هو أنَّ تلاوة القرآن مع الأخذ بالأسباب العلاجية الأخرى تكامل يؤدي إلى الشفاء التام فذلك أمر صحيح أيضاً، وقد ثبت أن القرآن يؤثر على هرمونات الجسم، ويؤثر على نفسية المريض وطاقته.

أماَّ إن كان المقصود هو أنَّ الاكتفاء بتلاوة القرآن وترديده يؤدي إلى الشفاء فإنَّ هذا لم يرد عن رسول صلى الله عليه وسلم ولا عن صحبه الكرام رضي الله عنهم.
 


[1]- سبق تخريجه

[2]- رواه البيهقي في السنن الكبرى، وقال رَفْعُهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ؛ وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ.

[3]- زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم، فصل الطب النبوي، فصل هديه صلى الله عليه وسلم في علاج استطلاق البطن.

[4]- رواه الطبراني في المعجم الصغير والأوسط، باب الميم، من اسمه محمد، وصححه الألباني.

-[5] رواه الترمذي في سننه وقال حديث حسن، أبواب الطب، باب ما جاء في الرقى والأدوية.

[6] زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم، فصل الطب النبوي، فَصْلٌ فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنَ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ الْمُفْرَدَةِ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى لِسَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَتَّبَةً عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، القرآن.

آخر فعاليات الأكاديمية:

Open chat تواصل معنا
مرحبا.. كيف يمكننا خدمتك؟
Hi.. Can we help you?