جديدنا:

  • تم افتتاح كلية العلوم الطبية في تخصصات الطب البديل والتكميلي وغيرها.. بجميع الدرجات العلمية (بكالوريوس – ماجستير -دكتوراه) وبنظام الدراسة عن بعد أو معادلة الخبرات – وباعتماد من التعليم العالي والخارجية والسفارات – للتفاصيل اضغط هنا
  • اعتماد الدورات من كليات عالمية وتوثيق من الخارجية والسفارات.
  • يمكننا تشخيص حالتك وعمل جلسات الرقية الشرعية عن بعد: اضغط هنا للمزيد…

المقال الرابع: ما الرقية؟


المقال الرابع: ما الرقية؟

ما الرقية؟

هي العلاج بالكلام، أو المداواة بالألفاظ.

واللفظ قد يكون مسموعا أو مقروءا أو ممحُوًّا في سائل بعد كتابته خطياً، وقد يكون اللفظ منفرداً أو مقترناً بفعلٍ أو علاجٍ معه.

وهذا العلم ربَّما يكون جزءاً من علم أشمل منه، ألا وهو علم أثر الكلام، ومع دخولنا عصر التقنية وثورة الاكتشافات فإنَّه أصبح بإمكاننا التوسع في البحث عن أثر الكلام والموجات الصوتية على الإنسان والحيوان والجماد حيث أن المستجدات أصبحت مساعدة في عمل أبحاث متعلقة بهذه العلوم.

ولقد وضَّح الباحث الياباني ماسارو إيموتو أنَّ للأصوات والكلمات المختلفة أثرا على تغير جزيئات الماء، وشرح ذلك في كتابه الذي سماه “رسالة من ماء” – “Message from water”[1]، ولا غرابة أن يكون كذلك الأثر على الأجسام المختلفة سواء كانت جمادات أو سائلة أو غازية.

وذهب بعض الرقاة المعاصرين إلى أنه علاج بطاقة إيجابية تخرج من جسم المعالج أثناء القراءة وتدخل جسم المريض فتؤثر على ما به من طاقة سلبية، وحتى نجري أبحاثا دقيقة صحيحة فإننا لن نستطيع تقديم إجابة علمية دقيقة حول كيفية عمل الرقية.

ما هي الرقية الشرعية؟

لم يرد في كتب الأولين مصطلح الرقية الشرعية، وليس في دين الله شيء خُصِّصَ بهذا المسمَّى، وإنما هو مصطلح محدث في عصرنا الحالي، وتعني كل رقية لَم تخالف الضابط الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك لم تحوي أي مخالفات شرعية (مثل حصول خلوة غير شرعية أو لمس المرأة الأجنبية أو الكذب أو الغش أو صرف عن ما هو أوجب أو غير ذلك)، ومن يدَّعي أنَّ في الإسلام رقيةً شرعيَّةً غير هذه فقد ابتدع بدعةَ ضلالةٍ ليس لها من الشَّرع أي نصيب.

يشبه في ذلك ما نسميه بالأناشيد الإسلامية، ففي الحقيقة ليس هناك أناشيد إسلامية من شرع الله، بل انتشر هذا المصطلح بين الناس تسميةً لأناشيد مباحة عكس الأغاني المحرمة، وكذلك مثل ما نسميه الآن بالمصارف الشرعية أو الإسلامية، فليس المقصود بنكاً أو مصرفاً من شرع الله، بل المقصود أنَّ هذا المصرف لا يتعامل بالربا أو المعاملات المالية المحرمة.

ما هي ضوابط وأحكام الرقية الشرعية؟

وضع رسول الله r ضابطاً واحداً فقط يخص الرقية، وهو أن لا يكون في ألفاظها ولا فيما اقترن بها من أفعالٍ شرك بالله سبحانه وتعالى، أما غير هذا فليس هناك ضابط يخص الرقية بذاتها، بل أحكام عامة تتعلق بكل الأمور الحياتية للمسلم مثلها مثل الأحكام التي تتعلق بالطِّب والعلاجات. ومن خصَّ الرُّقية بضوابط غير ذلك فقد جانب الصواب وزاد في الشرع ما لم يقرره رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ما هي كلمات الرقية الشرعية؟

لم يشترط الرسول صلى الله عليه وسلم لكلمات الرقية أي شرط غير أنها لا تكون شركاً، فلم يشترط صلى الله عليه وسلم أن تكون الكلمات من القرآن وحده، أو فقط من الأذكار، بل جاء في شرح اشتراط (بكتاب الله) الذي في حديث استرقاء عائشة رضي الله عنها والمذكور سابقاً ما يلي:

·        في شرح رواية ابن حبان المعلولة قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: (عَالِجِيهَا بِكِتَابِ اللهِ) أَرَادَ: عَالِجِيهَا بِمَا يُبِيحُهُ كِتَابُ اللهِ، لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا يَرْقُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِأَشْيَاءَ فِيهَا شِرْكٌ، فَزَجَرَهُمْ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ عَنِ الرُّقَى إِلَّا بِمَا يُبِيحُهُ كِتَابُ اللهِ دُونَ مَا يكون شركاً[2].

·        في شرح رواية الموطأ قال أبو الوليد القرطبي في شرح الحديث : قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ – رضي الله عنه- لِلْيَهُودِيَّةِ (ارْقِيهَا بِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّوْرَاةَ؛ لِأَنَّ الْيَهُودِيَّةَ فِي الْغَالِبِ لَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيَحْتَمِلُ – وَاَللهُ أَعْلَمُ – أَنْ يُرِيدَ بِذِكْرِ اللهِ عَزَّ اسْمُهُ، أَوْ رُقْيَةً مُوَافِقَةً لِمَا فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، وَيَعْلَمُ صِحَّةَ ذَلِكَ بِأَنْ  تُظْهِرَ رُقْيَتُهَا فَإِنْ كَانَتْ مُوَافِقَةً لِكِتَابِ اللهِ عز وجل أَمَرَهَا بِهَا.[3]

 كذلك لم يشترط الرسول صلى الله عليه وسلم لها لغة معينة، ولماَّ عُرضت عليه الرُّقى التي كان يُرقى بها في الجاهلية فإنَّه صلى الله عليه وسلم لم يطلب من أحد تغييرها ما دام أنَّ ليس بها شركاً. أما جميع الاشتراطات الأخرى التي ذكرها العلماء[4] لكلمات الرقية فهي اجتهادات منهم لتحقيق شرط الرسول صلى الله عليه وسلم بأن لا يكون فيها شركاً ولا كفراً. فمثلاً نجد أنَّهُ قيل عن الإمام مالك قيل أنَّهُ كره رقى أهل الكتاب، وعلل ابن رشد القرطبي ذلك بقوله (إذ لا يدري أَهَلْ تُرْقى بكتاب الله أو بغير ذلك مما يضاهي السحر؟)[5]، وقال ابن حجر (وما لا يعقل معناه لا يؤمن أن يؤدي إلى الشرك فيمتنع احتياطا)[6]، يُشبه ذلك ما هو موجود في قوانين منظمة الصحة العالمية اليوم أنَّ مِنْ حقِّ المريض معرفة مكوِّنات الدواء وفوائده ومضاره بوضوح تام، ولا يحق للطبيب أو الصيدلاني أو المُصنِّع إخفاء هذه المعلومات.

 وبناءاً على ما سبق فإنَّ الأصل أنَّ الرقية تجوزُ بأي كلمة وبأي لغة مادامت الألفاظ واضحةً ومفهومةً لدى المريض وليس فيها شرك أو كفر؛ فلو أنَّ راقياً صينياًّ رقى مريضاً صينياًّ باللغة الصينية بكلمات واضحة لديهم ليس فيها شرك أو كفر ولا سحر؛ جاز لهم ذلك. ولو أنَّ إنجليزياًّ رقى عربياًّ لا يفهم الإنجليزية ولكن بصحبته مترجم متمكِّن عدلٌ وثِقة وكانت الكلمات الإنجليزية واضحة مفهومة ليس فيها شرك ولا كفر فإنَّ ذلك أيضاً جائز. ومن الإمكان أن يُضافَ إلى كلمات الرقية شرط ثبوت فائدتها بالتجربة، فليس من المعقول أنْ يُضيِّع المسلم وقته وماله وجهده في رقية ليس منها فائدة.

ولا شكَّ أن أثر كلام الله عز وجل في الرُّقية لابدَّ أن يكونَ أقوى وأنفع وأفضل من غيره من الكلام، خاصَّةً أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى نَصَّ على أنَّ القرآن الكريم شفاء، وقد رُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (فَضْلُ كَلامِ اللهِ عَلَى كَلامِ خَلْقِهِ، كَفَضْلِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ)[7]. ولذا نجد أنَّ المسلمين الأوائل تركوا ما كان من رُقىً بكلام البشر وتحوَّلُوا إلى الرُّقية بكلام خالق البشر سبحانه وتعالى طالبين أثر هذا الكلام – وليس للتعبد به-. وكذلك أثر أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته في الرقية أيضاً لا شكَّ أنها أنجع من كلام البشر.

أماَّ الاسترقاء من غير المسلمين فإنَّه وإنْ جاز في الأصل إلا أنَّه في وقتنا يُخشى على المريض من الفتنة في دينه خاصة إذا كان الراقي ممن يدعو إلى دينه المحرَّف، ومن باب سد الذرائع فإنَّه من الأولى منعه والتحذير منه.

ماهي الرقية النبوية؟

هي كل ما رقى به رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم  أو أقرَّه من آيات أو أدعية أو جُمَل. وحكمها مثل الطبِّ النبوي في الأعشاب والطرق التي استعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم  للعلاج.

هل يجب الاكتفاء بالرقية النبوية؟

لا شك أن العلاجات المذكورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الأفضل والأولى، ولكن على مر العصور لم يقل أي عالم بوجوب الاكتفاء بالعلاجات التي تداولها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالعلاجات النبوية جاءت للإشارة لا للحصر، ولو قال قائل أنه يجبُ التمسك فقط بالآيات التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رُقيته؛ فيكون الجواب أنَّه قياساً على ما قال فإنَّه كذلك يجبُ التَّمسُّك بجميع العلاجات النَّبوية، فلن يجوز علاج البطن بغير العسل، ولن يجوز علاج الاكتئاب بغير التلبينة، ولن يجوز معالجة الحمى بغير الماء، كما أنه لن يجوز استعمال أعشاب علاجية ولا أدوية لم يستعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مما لم يفهم الصحابة رضوان الله عليهم ولا سلف الأمة الطاهرون مثل ذلك.

ما العلاقة بين الرقية والبدعة؟

الصَّحابةُ رضوان الله عليهم وعلماءُ السَّلف رحمهم الله مجمعون علَى أنَّ البدع الشَّرعية كُلُّها مذمومة ومحرَّمة وضلالة، وأمَّا مَا ذكره بعضُ العُلَمِاءِ مِن تقسيمِ البدعة إلى حسنة وسيئة وغيرِها من أقسامٍ فمقصُودُهُم بذلك البدعةَ اللُّغويَّة وليست الشَّرعيَّة كما بيَّنَ ذلك ابن حجر رحمه الله[8]. والبِدْعةُ الشَّرعية هي إمَّا استحداثٌ لِعبادةٍ جديدةٍ أو فضلٍ ونسبةُ ذلك إلى الدِّين، وإِمَّا تغييرٌ في عِبَادةٍ بإضافةٍ أو تخصيصِها بفضلٍ لمْ يرِدْ في الشَّرع المطهَّر. فالعبادات توقيفية مشرَّعة من عند الله عز وجل، ولأن الرُّقية كطريقةٍ ومفهوم ليست بعبادة فلا تنطبق عليها قاعدة البدعة الشرعية، بل تدخل في علم طبِّ الإنسان وتخضع لقوانين التجربة والبرهان.

وقد فَهِمَ عُلماء السَّلف رحمهم الله هذا الأمر، فقد جاء عن الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله أنه كان يكتب رقية للمرأة إذا تعسرت الولادة وهذا مما لم يرد في السُّنة بسند صحيح ولا حسن، قال عبد الله بن أحمد بن حنبل (رَأَيْت أبي يكْتب التعاويذ للَّذي يقرع وللحمَّى؛ لأهله وقراباته، وَيكْتب للمرأة اذا عسر عَلَيْهَا الْولادَة فِي جَام اَوْ شَيْء لطيف وَيكْتب حَدِيث ابْن عَبَّاس[9]، إِلَّا أنَّه كَانَ يفعل ذَلِك عِنْد وُقُوع الْبلَاء، وَلم أره يفعل هَذَا قبل وُقُوع الْبلَاء)[10]، وذكر ابن القيم مثل ذلك[11]، وقال ابن القيم رحمه الله (ورأى جماعة من السلف أن تكتب له –أي للمعيون- الآيات من القرآن، ثم يشربها. قال مجاهد: لا بأس أن يكتب القرآن، ويغسله، ويسقيه المريض، ومثله عن أبي قلابة)[12]، وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (وقراءة القرآن أو السنة على المريض مباشرة بالنفث عليه ثابتة بالسنة المطهرة من رقية الرسول صلى الله عليه وسلم لنفسه ولبعض أصحابه، أما كتابة الآيات بماء الورد والزعفران ونحو ذلك ثم غمرها في الماء وشربها أو القراءة على العسل واللبن ونحوها ودهن الجسم بالمسك وماء الورد المقروء عليه آيات قرآنية- فلا بأس به، وعليه عمل السلف الصالح)[13].

ولو قال قائل أنه يجب علينا عدم التوسع في الرقية لكي لا نفتح الباب أمام السحرة والدجالين الذين يتسترون بستار الدين ويظهرون بمظاهر التدين والالتزام فنسد بذلك الذرائع وندرأ بذلك المفاسد؛ فمثله مثل من يقول أنه علينا أن نوقف تطوير الأدوية لأن بعض الناس يصنعون أدوية تحوي مواد محرمة وقد يستعملها آخرون في أغراض سيئة، وبعضهم يستخدم علب الأدوية لتهريب المخدرات. والجواب على ما قال هو ضابط الرسول صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: (اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لاَ بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ)[14] وكفى به ضابطاً وقانونا، وتطبيقه في زماننا أنَّ كل من يرقي فإنَّ عليه أن يعرض رقيته على علماء الأمة الذين هم ورثة الأنبياء، وعلى هؤلاء العلماء إن لم يجدوا في الرقى المعروضة عليهم شركاً أن يصدروا تصريحاً أو ترخيصاً أنه قد تم عرض هذه الرُّقية علينا ولم نجد بها شركاً، مثل ذلك مثل ما تعرضه بعض المؤسسات المالية في عصرنا على الفقهاء واللجان الشرعية فيعلن العلماء أن المؤسسة المالية السائلة خالية من الربا ومن الشبهات، وكذلك مثل ما يعرض من غذاء وأدوية على الجهات الصحية لتأكيد صلاحيتها وسلامتها.

وبتأملنا في الموضوع فإن الادعاء بأن الرقية عبادة من الدين هو بدعة شرعية لا تجوز، وما أصدق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إذ يقول عن البدع الشرعية (وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)[15] ومن الضلالة ها هنا ما يلي:

1-   من صفات الله عز وجل الكمال والتنزه عن كل نقص وعيب، وهذه الصفات ملازمة كذلك لشرعه القويم، ونسبة الرقية إلى الدين هو نسبة عمل بشري إلى الله عز وجل وتحميله كل توابع الرقية من أخطاء أو فشل أو أضرار سبحانه وتعالى وتنزَّه عن ذلك. كما أنَّ هذا فتح المجال لبعض ضعاف النفوس للمتاجرة باسم الدين، بل غلت طوائف من المبتدعة حتى جعلت الرقية علماً سماوياًّ يأخذونه بالوحي والإلهام والعياذ بالله.

2-   انصرف كثير من الأطباء عن دراسة الرقية والاهتمام بها لأنهم ظنُّوها جزءاً من الشريعة أو العلم الشرعي الذي لم يتخصصوا فيه، وابتعادهم عنها ساعد على فصلها من علوم الطب وعدم تقنينها أو البحث فيها بل أدى كذلك لاندثارها فترة من الزمن، كما أدى إلى احترافها ممن لا يفهم في الطب شيئا.

3-   من سنن الله عز وجل في العلوم البشرية أن تتطور وتتحدَّث مع مرور الزمن وزيادة التجارب وتوسع المعلومات، لكن الرقية لم تأخذ حقها الصحيح في التطوير بسبب الظن أنها عبادة توقيفية لا يجوز الابتداع فيها.

ملحوظة:

أثبت الرقاة بالتجربة عبر الأزمان أن تلاوة آيات السحر تؤثر في المسحور وآيات العين تؤثر في المعيون ومثل ذلك كثير. ويقصد الرقاة بآيات السحر الآيات القرآنية التي ورد فيها السحر مثل قوله تعالى {أسحر هذا ولا يفلح الساحرون} [يونس: ٧٧]، وآيات العين هي الآيات التي وردت بها العين كقوله تعالى {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم} [القلم: ٥١]، أو لفظة العين كقوله تعالى {فيها عين جارية} [ الغاشية: ١٢]، وآيات الحسد هي الآيات التي ورد فيها الحسد كقوله تعالى {ومن شر حاسد إذا حسد} [الفلق: ٥]. ومثل ذلك آيات الهداية والعذاب والحرق والشفاء وغير ذلك، وهو ليس من تخصيص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما مما لوحظ بالتجربة وَوُضِعَ لغرض الفهرسة والتصنيف.

مسألة:

قد يَسألُ سَائلٌ لماذا لمَ يُوضِّح النَّبي صلى الله عليه وسلم آثار آيات القرآن على الأمراض بالتَّخصيص؟ والجواب حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلاَّ قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ, وَلَيْسَ شَيْءٌ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ، وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلاَّ قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ)[16]، فرسول الله صلى الله عليه وسلم وضَّح لنا كل ما يتعلق بديننا وعبادتنا مما أمره اللهُ عز وجل أنْ يُبَلِّغ، وَشَرْعُ اللهِ في العبادات كاملٌ لا يَنْقُصُهُ شيء، وطريق الجنة واضح بيِّن، وطريق النار تم الإعلام به والتحذير منه، أمَّا غير ذلك من تأثير القرآن على المخلوقات فليس من العبادات؛ ولا مما يقرب إلى الجنة أو يبعد عن النار، ولا يمكن لبشر إحصاء فضائل القرآن وتأثيراته على المخلوقات. والله تعالى أعلم.

أحكام الراقي ومراكز الرقى:

الراقي مثله مثل الطبيب، لا فرق بينهما غير أن لكل واحد طريقة مختلفة في العلاج، ويجب أن تُطَبَّقَ عليه جميع الأحكام الشرعية الخاصة بالطبيب، ومراكز الرقى مثل المستشفيات لا فرق بينهما، بل إنَّ المستشفى الناجح هو من يجمع جميع الطرق الطبية في أجنحته بما فيها الرقية. وقد مَرَّ معنا في الأحاديث المذكورة في بداية هذا الفصل كيف كان بعض الناس معروفين برقى معينة وأقرهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمَّا القول بأنَّه لم تكن هناك مراكز رقى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فالجواب أنَّه لم تكن هناك في العهد النبوي مستشفيات ولا عيادات ولا صيدليات مثلما يوجد لدينا الآن.

ملحوظة:

نرجو ممن لم يرزقه الله التعلم والتبحر في علم العلاج بالرقية أن يكف عن تبديع وتفسيق الناس، ومن قال لا أعلم فقد أفتى، ولا نقلل من شأن العلماء والفقهاء ولا نتهمهم في إخلاصهم أو في نياتهم، ولكن قد قالوا قديما “من تكلم في غير فنِّه أتى بالعجائب”، ومن حرَّم شيئاً أباحه الله فقد أتى بمصيبة كبيرة ومعصية عظيمة، وقد رأينا رقاةً كثيرين لم يخرجوا عن فهم السَّلف الصالح للرقية، ولم يرتكبوا شركاً ولا محرماً، ولكنَّهم قُوبلوا بوابلٍ مِنَ الكَلامِ والمَلام، واللهُ المستعان على كلِّ شيء، وهو سبحانه أجلُّ وأعلم.

ملحوظة:

من أصرَّ أنَّ الرقية بذاتها دعاء وعبادة بعد كل ما أوردته في هذا الفصل، فإنَّ الباب أمامه مفتوح ليأتينا بدليل ثابت صريح، أو بفهم للصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح، فالبينة على من ادعى، والله الهادي إلى سواء السبيل.


[1] يمكن الاستزادة عن المؤلف وكتابه من موقعه: www.masaru-emoto.net

[2]- صحيح ابن حبان، راجع تخريج الرواية فيما سبق.

[3]- المنتقى شرح الموطأ، أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي القرطبي الباجي الأندلسي (المتوفى: 474هـ).

[4]- ذكر ابن حجر في فتح الباري عن العلماء ثلاثة شروط:

1.أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته.

2. وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره.

3. وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى.

-[5] البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة، أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (المتوفى: 520هـ)، كتاب الجامع الأول، رقية البثرة الصغيرة مخافة أن تعظم.

[6]- فتح الباري، شرح باب الرقى.

[7]- رواه الدارمي في سننه مرسلاً وقال المحقق حسين الداراني إسناده حسن، وفي رواية اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة عن أبي هريرة رضي الله عنه (فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه).

-[8] قال ابن حجر رحمه الله: (وَأَمَّا الْبِدَعُ فَهُوَ جَمْعُ بِدْعَةٍ، وَهِيَ كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ لَهُ مِثَالٌ تَقَدَّمَ، فَيَشْمَلُ لُغَةً مَا يُحْمَدُ وَيُذَمُّ، وَيَخْتَصُّ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ بِمَا يُذَمُّ، وَإِنْ وَرَدَتْ فِي الْمَحْمُودِ فَعَلَى مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ)، فتح الباري، من شرح (بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ وَالتَّنَازُعِ). كما قال رحمه الله: (وَقَوْلُهُ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ؛ قَاعِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ بِمَنْطُوقِهَا وَمَفْهُومِهَا)، فتح الباري، شرح أحاديث باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[9]- إسناده ضعيف، إحدى الروايات في مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الطب، في الرخصة في القرآن يكتب لمن يسقاه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما-، قَالَ: إِذَا عَسِرَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَدُهَا، فَيَكْتُبُ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَالْكَلِمَاتِ فِي صَحْفَةٍ ثُمَّ تُغْسَلُ فَتُسْقَى مِنْهَا: (بِسْمِ اللهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، {كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها} ]النازعات:46[، {كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار، بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون}   [الأحقاف: 35]).

[10]- مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله، تحقيق زهير الشاويش، مسألة 1622.

[11]- زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم، فصل الطب النبوي، فصل في ذكر شيء من الأدوية والأغذية المفردة التي جاءت على لسانه صلى الله عليه وسلم مرتبة على حروف المعجم، حرف الكاف، كتاب لعسر الولادة،  قَالَ الخلال: حَدَّثَنِي عبد الله بن أحمد: قَالَ رَأَيْتُ أَبِي يَكْتُبُ لِلْمَرْأَةِ إِذَا عَسُرَ عَلَيْهَا وِلاَدَتُهَا فِي جَامٍ أَبْيَضَ، أَوْ شَيْءٍ نَظِيفٍ، يَكْتُبُ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، {الحمد لله رب العالمين}، {كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار، بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون}   [الأحقاف: 35])، {كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها} ]النازعات:46[.

[12] زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم، فصل الطب النبوي، فصل ما يقوله العائن خشية من ضرر عينه.

[13] فتاوى اللجنة الدائمة، الجزء الأول، صفحة 97، فتوى رقم 19010.

[14]- سبق تخريجه.

[15] صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة.

[16]- رواه البيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وسنده فيه انقطاع، قال عنه الألباني رحمه الله حسن على أقل الأحوال، وللحديث تكملة (وَأَنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ نَفَثَ فِي روعِيَ أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلاَ يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللهِ، فَإِنَّهُ لا يُدْرَكُ مَا عِنْدَ اللهِ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ).

آخر فعاليات الأكاديمية:

Open chat تواصل معنا
مرحبا.. كيف يمكننا خدمتك؟
Hi.. Can we help you?