--!> المقال الثاني: الرقية وعلاقتها بالشرع
Slider

جديدنا:

  • تم افتتاح كلية العلوم الطبية في تخصصات الطب
    البديل والتكميلي وغيرها.. بجميع الدرجات العلمية (بكالوريوس – ماجستير –
    دكتوراه) وبنظام الدراسة عن بعد أو معادلة الخبرات – وبتصديق من التعليم العالي
    والخارجية والسفارات – للتفاصيل اضغط هنا
  • اعتماد الدورات من كليات عالمية وتوثيق من الخارجية والسفارات.
  • يمكننا تشخيص حالتك وعمل جلسات الرقية الشرعية عن بعد: اضغط هنا للمزيد…

المقال الثاني: الرقية وعلاقتها بالشرع


المقال الثاني: الرقية وعلاقتها بالشرع

 الرُّقيةُ طريقةٌ طبيةٌ موجودةٌ مِن قَبْلِ الإسلام، ولماَّ جاء الإسلام أقرَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هذه الطريقة، وأقرَّ صلى الله عليه وسلم رُقى الجاهلِيَّة التي ليس فيها شرك ولم تخالِف شرع الإسلام. نستعرض بعضاً من الأحاديث التي تدل على ذلك:

1-   عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: (اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لاَ بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ)[1].

2-    عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَرْقِي مِنْ حُمَّةَ الْعَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا أَسْلَمْتُ ذَكَرْتُهَا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: (اعْرِضْهَا عَلَيَّ)، فَعَرَضْتُهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: (ارْقِ بِهَا فَلا بَأْسَ بِهَا)، وَلَوْلا ذَلِكَ مَا رَقِيتُ بِهَا إِنْسَانًا أَبَدًا[2].

3-   عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرُّقى، فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ إنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ يُرْقَى بِهَا مِنْ الْعَقْرَبِ، وَأَنَّكَ نَهَيْتَ عَنْ الرُّقَى، قَالَ فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ (مَا أَرَى بَأْسًا مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ)[3].  ودَلَّ هذا الحديث على إقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحثه صلى الله عليه وسلم على النَّفع والانتفاع بها، كما دلَّ على حث نفع الآخَرين بكل ما لم يُخالف الشرع.

4-    في المستدرك أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ خَرَجَتْ بِهِ نَمْلَةٌ[4]، فَدُلَّ أَنَّ الشِّفَاءَ بِنْتَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنها تَرْقِي مِنَ النَّمْلَةِ، فَجَاءَهَا فَسَأَلَهَا أَنْ تَرْقِيَهُ، فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا رَقِيتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، فَذَهَبَ الأَنْصَارِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي قَالَتْ الشِّفَاءُ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الشِّفَاءَ، فَقَالَ: (اعْرِضِي عَلَيَّ) فَأَعْرَضَتْهَا عَلَيْهِ-صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ-صلى الله عليه وسلم-: (اِرْقِيهِ وَعَلَّمِيهَا حَفْصَةَ كَمَا عَلَّمْتِيهَا الْكِتَابَ)[5]، ودلَّ هذا الحديث على إقراره صلى الله عليه وسلم، وكذلك على حثِّه وأمره عليه الصلاة والسلام بتعلُّم[6] وتعليم المفيد منها. وفي رواية أخرى أنَّ الشِّفاءَ رضي الله عنها كَانَتْ تَرْقِي بِرُقَيَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الإِسْلامُ قَالَتْ: لاَ أَرْقِي حَتَّى أَسْتَأْمِرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (ارْقِي مَا لَمْ يَكُنْ شِرْكٌ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ)[7].

ولقد زعم ثُلَّةٌ من العلماء عبر التاريخ أنَّ الرقية بذاتها دعاء وعبادة، ولكي يكون هذا القول صحيحاً فإنَّه يجب عليهم أن يستدلوا على ذلك بدليل ثابت صريح، أو بفهم للصحابة y، فالأصل في العبادات المنع حتى يقوم دليل على مشروعيتها، فنسألهم هل لديكم دليل ثابت صريح يدل على صحة ما زعمتموه، أم هو تأويل وفهم للأدلة؟ وهل هذا التأويل والفهم مطابق لفهم الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح رحمهم الله؟ أم هو فهم مبتدع ما أنزل الله به من سلطان؟

القرآن والحديث:

أما القرآن الكريم فليس فيه ما يدل على أن الرقية دعاء وعبادة، وكذلك أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيها ما يدل أن الرقية دعاء وعبادة، وقد زعموا أن كون رسول الله صلى الله عليه وسلم يشترط في الرقية أن لا يكون فيها شرك يجعلها عبادة لأن الشرك لا يكون إلا في العبادات، وهذا فهم خاطئ حيث أن الرقية مدارها على الألفاظ وأساسها الكلمات، وقد يقع الشرك والكفر في اللفظ من دون أن يكون دعاء أو عبادة، كقول قائل (أنا ملك الأملاك)[8] وكقول قائل (قوتي مثل قوة الله) فإن هذه الألفاظ شرك وليست بعبادة. وقد تكون بعض الألفاظ من طلاسم السحر، والسحر كفر كما نعلم. يقول فخر الدين الزيلعي رحمه الله (وَلَا بَأْسَ بِالرُّقَى؛ لِأَنَّهُ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ النَّهْيِ عَنْهُ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – مَحْمُولٌ عَلَى رُقَى الْجَاهِلِيَّةِ إذْ كَانُوا يَرْقُونَ بِكَلِمَاتِ كُفْرٍ)[9]. كذلك علَّق الدسوقي في حاشيته (لِئَلَّا تَكُونَ أَلْفَاظًا مُكَفِّرَةً)[10]، فالألفاظ قد يقع فيها الشرك والكفر من دون أن تكون دعاء أو عبادة.

الصحابة رضي الله عنهم:

وأما الصحابة رضي الله عنهم فلم يرد عنهم ما يصرِّح أنَّ الرقية دعاء، بل إن عائشة رضي الله عنها استرقت من يهودية، وأقرَّها على ذلك أبو بكر رضي الله عنه، جاء ذلك في موطأ الإمام مالك حيث روى الشيباني قال أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ (أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- وَهِيَ تَشْتَكِي، وَيَهُودِيَّةٌ تَرْقِيهَا، فَقَالَ: ارْقِيهَا بِكِتَابِ اللهِ)[11]، ولقد ضعَّف الألباني هذا الحديث قائلاً إنَّ إسناده منقطع إذ أنَّ عمرة ولدت بعد وفاة أبا بكر بثلاث عشرة سنوات. لكن هذا التضعيف مردود حيث أن الانقطاع لا يعني التضعيف إذا عُرِف حال الساقط في السند، فمثلاً المحدثون على قبول مراسيل سعيد بن المسيب رحمه الله لأنه لا يروي إلا عن ثقة، وهنا فإن الفقيهة الثقة الحُجَّة عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية رحمها الله لا يمكن أن تروي هذا الحديث إلا عن عائشة رضي الله عنها، حيث أن عمرة تربت في بيت عائشة رضي الله عنها منذ صغرها وأخذت عنها كل صغيرة وكبيرة، يقول عنها ابن المديني (عمرة أحد الثقات العلماء بعائشة الأثبات فيها)[12]، كما نقل ابن المدينى عن سفيان قوله: (أثبت حديث عائشة حديث عمرة و القاسم و عروة)[13]، وعن عمر بن عبد العزيز أنه قال (ما بقيَ أحد أعلم بحديث عائشة من عمرة)[14]، وقال ابن حبان (كانت من أعلم الناس بحديث عائشة)[15]. وإذا تصوَّرنا أنَّ هذا الحديث لم تروِه عمرة عن عائشة رضي الله عنها فإن َّ عمرة رحمها الله لم ترْوِ أحاديث أخرى إلاًّ عن ثقاتٍ جُلُّهُم من الصحابة. وقد اعتقد الإمام مالك صحة هذا الحديث ووضعه في موطئه الذي كان يعد أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل قبل كتابة البخاري لصحيحه. واستدل الإمام الشافعي بهذا الحديث على جواز الاسترقاء من أهل الكتاب، واستدلاله بهذا الحديث يعني تصحيحه له فهو رحمه الله كغيره من الأئمة لا يستدل بالأحاديث الضعيفة، فقد جاء في الأم: (سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ الرُّقْيَةِ فَقَالَ: لا بَأْسَ أَنْ يَرْقِيَ الرَّجُلُ بِكِتَابِ اللهِ وَمَا يَعْرِفُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ، قُلْت: أَيَرْقِي أَهْلُ الْكِتَابِ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إذَا رَقُوا بِمَا يُعْرَفُ مِنْ كِتَابِ اللهِ أَوْ ذِكْرِ اللهِ فَقُلْت: وَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ: غَيْرُ حُجَّةٍ، فَأَمَّا رِوَايَةُ صَاحِبِنَا وَصَاحِبِك فَإِنَّ مَالِكًا أَخْبَرَنَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تَشْتَكِي وَيَهُودِيَّةٌ تَرْقِيهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ارْقِيهَا بِكِتَابِ اللهِ، فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نَكْرَهُ رُقْيَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ: وَلِمَ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَ هَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلا أَعْلَمُكُمْ تَرْوُونَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – خِلافَهُ، وَقَدْ أَحَلَّ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَنِسَاءَهُمْ، وَأَحْسِبُ الرُّقْيَةَ إذَا رَقُوا بِكِتَابِ اللهِ مِثْلَ هَذَا أَوْ أَخَفَّ)[16].

ومع أنَّ الألباني رحمه الله من المجتهدين الذين جدَّدَ الله بهم الدين وعِلْمَ الحديث في زماننا؛ إلا أنَّ الله سبحانه وتعالى أبى أن تكون العصمة في دينه لغير رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا التضعيف كبوة فارس من الألباني رحمه الله، فالحقيقة أن المتأمل لكلام الألباني بخصوص هذا الحديث فإنه يجد أن السبب الرئيس للتضعيف كان بعيداً عن الحيادية والتجرد، حيثُ أنَّ فِكْرَهُ كان مشحوناً بأن الرقية دعاء، فهو كغيره تربى وترعرع وشَبَّ وشابَ على هذا القول، ولهذا فهو يستنكر أنَّ صحابيَّةً يمكن تسترقي من غير المسلم، فهو قَبْل كلامه عن هذا الحديث فإنه قد تكلم عن حديث آخر ضعيف الإسناد جاء فيه أن امرأة ابن مسعود رضي الله عنهما كانت تختلف إلى يهودي تسترقيه[17]، فقال الألباني عنه (وفي الروايتين أن زينب امرأة ابن مسعود رضي الله عنهما كانت تختلف إلى رجل يهودي فيرقيها! وهذا مستنكر جدا عندي أن تذهب صحابية جليلة كزينب هذه إلى يهودي تطلب منه أن يرقيها!! إنها والله لإحدى الكبر. فالحمد لله الذي لم يصح السند بذلك إليها)[18] ثم ينتقل للكلام حول هذا الحديث فيقول (ثم وقفت على ما هو أنكر عندي من استرقاء امرأة ابن مسعود باليهودي) ويعلل عفا الله عنه فيقول (ثم إنه من غير المعقول أن يطلب الصديق من يهودية أن ترقي عائشة، كما لا يُعقل أن يَطلب منها الدعاء لها، والرقية من الدعاء بلا شك، فإن الله عز وجل يقول {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} [الرعد: ١٤]. ويزداد الأمر نكارة إذا لوحظ أن المقصود بـ” كتاب الله” القرآن الكريم، فإنها لا تؤمن به ولا بأدعيته. وإن كان المقصود التوراة، فذلك مما لا يصدر من الصديق، لأنه يعلم يقينا أن اليهود قد حرفوا فيه، وغيروا وبدلوا)، فنرى هنا أنَّ الألباني رحمه الله كمن استدل قبل قراءة الدليل، وكمن يُلزم الصَّحابة بما هو مؤمنٌ ومقتنعٌ به، وكمن قدَّم العقل على النَّقل في هذا الحديث، ويُرَدُّ عليه بالقول (ليس من المعقول أنك اكتشفت ضعف حديث لم يستطع الإمام مالك اكتشافه ولا الشافعي رحمهما الله ولا من جاء بعدهما من العلماء طوال هذه القرون رحمهم الله جميعاً، وليس من المعقول أنه فات عليهم جميعاً أن الدعاء لا يُقبل من الكافرين، فهذه مسَلَّمَةٌ وبديهيةٌ يعرفها أي طفل أو مبتدئ بالإسلام، وليس من المعقول أن تستنكر ما قبلوه وصححوه) ولو أنه رحمه الله أخرج من عقله فكرة أن (الرقية من الدعاء بلا شك) لانتبه إلى أنَّ الصحابة والأئمة لم يفهموا أن الرقية دعاء أو عبادة، وأنه لا نكارة في الاسترقاء من غير المسلم مثل التَّطّبُّبِ عند غير المسلم.

وقد ذكر الدارقطني بعض العلل لهذا الحديث[19]، إذ وُجِدَ شذوذٌ في السند وفي المتن في روايات أخرى، لكن رواية الإمام مالك لا يشوبها أي علة. والعجيب أن الألباني صحَّح إحدى هذه الروايات المعلولة[20] والتي رواها ابن حبان إذ جاء فيها عن أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَامْرَأَةٌ تُعَالِجُهَا أَوْ تَرْقِيهَا، فَقَالَ: (عَالِجِيهَا بِكِتَابِ اللهِ)[21]، وبالمقارنة مع رواية الإمام مالك نرى شذوذاً في السند والمتن في هذه الرواية[22]، والسبب المحتمل للشذوذ قد يكونُ أنَّ الرَّاوي أبا أحمد الزبيري أخطأ حيث قال عنه الحافظ ابن حجر: (ثقة ثبت إلا أنه قد يخطىء في حديث الثوري)[23]، وقال عنه أبو حاتم (حافظ للحديث عابد مجتهد، له أوهام)[24]، وقال الإمام أحمد بن حنبل (كان كثير الخطأ في حديث سُفْيَان)[25]. فانظر كيف يمكن أن تؤدي قناعة المحدِّث إلى تضعيف للحديث الصحيح وتصحيح للحديث الشاذ، نسأل الله أن يثيب الألباني ويجزيه خيراً، فالمجتهد إن أخطأ فله أجرٌ واحد؛ وإن أصاب فله أجران، ونسأله سبحانه وتعالى أن يتجاوز عن جميع العلماء ويغفر لهم ويرحمهم.

فهم السلف الصالح:

لنُسَلِّم جدلاً وافتراضاً أن حديث استرقاء عائشة رضي الله عنها باليهودية ضعيف، بل لنفترض جدلاً أنَّ عمرة رحمها الله روت هذا الحديث عن كذَّابٍ وَضَعَ الحديث واختلقه، فإنَّ الأمر الواضح الصحيح الصريح الذي وصل إلينا هو تعامل الرواة والأئمة من السلف الصالح مع هذا الحديث، فلم يرد أي استنكار عن الفقيهة عمرة رحمها الله والمتربيةُ عند عائشة رضي الله عنها لهذا المتن والفعل، كذلك يحيى بن سعيد رحمه الله لم يردنا أي استنكار منه أو رفض وهو الإمام العلاَّمة المُجوِّد عالم المدينة في زمانه وشيخ عالم المدينة وتلميذ الفقهاء السبعة[26]، كذلك الإمام مالك والإمام الشافعي وغيرهما من الرواة[27] رحمهم الله جميعا، كلهم لم نجد منهم إنكار لمتن الحديث وفحواه، ولم يروا أنَّه يُعارض أصلاً من أصول الدين والذي هو أنَّ العبادة لا تقبل إلاَّ من مسلم، بل قبولهم يدل على عدم فهمهم أن الرقية دعاء أو عبادة، وقول الإمام الشافعي رحمه الله (وَلا أَعْلَمُكُمْ تَرْوُونَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – خِلافَهُ) يدل على أنَّ الشافعي رحمه الله لم يجد أيَّ دليل يدل على وجوب الاسترقاء من المسلمين فقط، كذلك لم يجد دليلاً يدل على أنَّ الرقية دعاء أو عبادة. والإمام الشافعي زاد في تعليقه قائلاً (وَقَدْ أَحَلَّ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَنِسَاءَهُمْ، وَأَحْسِبُ الرُّقْيَةَ إذَا رَقُوا بِكِتَابِ اللهِ مِثْلَ هَذَا أَوْ أَخَفَّ) فهل سنقول إن الإمام الشافعي رحمه الله يستهين بالدعاء والعبادة، حيث يجعل الرقية مثل الطعام والنكاح أو أخف من ذلك، هل من المعقول أن يقول الرسول r (لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الدُّعَاءِ)[28] وأن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ)[29] ثم يأتي الشافعي رحمه الله ليهين من الدعاء وينزل مقداره؟ حاشا وكلا فالإمام الشافعي رحمه الله لا يمكن بتاتاً أن يفعل شيئاً كهذا، وإنما قوله يدل على أنَّه لم يرَ الرقيةَ دعاءً وعبادة، بل طِبٌّ كغيره من أنواع العلاجات.

ويتأكد لنا هذا من نقل المازري رحمه الله للخلاف الذي وقع بين السلف في استرقاء أهل الكتاب فيقول رحمه الله (اخْتُلِفَ فِي اسْتِرْقَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَأَجَازَهَا قَوْمٌ وَكَرِهَهَا مَالِكٌ لِئَلاَّ يَكُونَ مِمَّا بَدَّلُوهُ، وَأَجَابَ مَنْ أَجَازَ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يَبْعُدُ أَنْ يَقُولُوهُ، وَهُوَ كَالطِّبِّ سَوَاءٌ كَان، غَيْرُ الْحَاذِقِ لاَ يُحْسِنُ أَنْ يَقُولَ، وَالْحَاذِقُ يَأْنَفُ أَنْ يُبَدِّلَ حِرْصًا عَلَى اسْتِمْرَارِ وَصْفِهِ بِالْحِذْقِ لِتَرْوِيجِ صِنَاعَتِهِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأَشْخَاص وَالأَحْوَال)[30]، لاحظ أنَّ الخلاف لم يقع في مجرد الاسترقاء من أهل الكتاب، بل مردُّ الخلاف إلى استعمال التوراة والإنجيل في الرقية، فالاسترقاء من أهل الكتاب مثله مثل التطبب من غير المسلمين، والاسترقاء بالتوراة والإنجيل مثل التعالج بما لا يُعلم ماهيته فاختلفوا فيه، كذلك لاحظ قول المازري أنه (كالطب).

ولو انتقلنا إلى تفسير الإمام الطبري رحمه الله وقرأنا بعض أقوال السلف في قوله تعالى {وقيل من راق} [القيامة: ٢٧]، فسنجد من المعاني ما يلي:

·        هل من طبيب شاف؟

·        هو الطبيب.

·        هل من مداوٍ؟

·        التمسوا له الأطباء فلم يُغْنوا عنه من قضاء الله شيئا.

·        أين الأطباء والرُّقاة؟

وفي تفسير التستري: هل من طبيب يداوي؟

ولو فتحت صحيح البخاري حيث بوَّب البخاري رحمه الله كتابه بنفسه لوجدت أنَّ هناك كتاباً خاصاًّ للدعوات يذكر فيها البخاري ما ورد من الدعاء والأذكار، وكتاباً للطب يذكر فيه الأحاديث الواردة في التطبب، وفي هذا الكتاب يذكر الأحاديث المتعلقة بالرقية، كذلك يذكرها في كتاب الإجارة.

فهذا هو فهم السلف الصالح خير القرون رحمهم الله حيث لم يفهموا الرقية دعاء بل طريقةً طبية ومداواةً بَشريَّة، فلماذا يُصِرُّ البعض على جعل هذه الطريقة الطبية دعاء وعبادة؟

ملحوظة: للتكرار فإني أؤكد على ما أوردته أنَّ كل من روى حديث اليهودية التي رقت عائشة رضي الله عنها بجلالة علمهم وعظمة فقههم لم يستنكروا هذا العمل لأن الرقية في فهمهم طب وليست دعاء أو أمراً تعبُّدِياً، وأنَّ الشافعي رحمه الله مع وسع علمه ومعرفته فإنَّه وافقهم ولم يعلم أحداً من الصحابة  يقول بغير ذلك.


[1] صحيح مسلم، كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك.

[2] قال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: رواه الطبراني وإسناده حسن، كتاب الطب، باب ما جاء في الرقى للعين والمرض وغير ذلك. وإسناد الطبراني أورده ابن كثير في جامع المسانيد والسنن – حرف العين – عبادة بن الصامت رضي الله عنه – الوليد بن عبادة عنه، كما أورد الإسناد ضياء الدين المقدسي في كتابه الأحاديث المختارة أو المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما- الجزء الثامن – عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف رضي الله عنه.

[3] صحيح مسلم، كتاب السلام، باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة.

[4] (قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الْجَنْبَيْنِ، وَهُوَ دَاءٌ مَعْرُوفٌ، وَسُمِّيَ نَمْلَةً، لأَنَّ صَاحِبَهُ يُحِسُّ فِي مَكَانِهِ كَأَنَّ نَمْلَةً تَدِبُّ عَلَيْهِ وَتَعَضُّهُ)- ابن القيم في زاد المعاد.

[5] أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم، باب ذكر الشفاء بنت عبد الله القرشية رضي الله عنها، وهو حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم.

[6] أوَّلَ بعضهم طلب التعليم منه صلى الله عليه وسلم بالمزاح مع حفصة رضي الله عنها وتأنيبها، وهذا تأويل لا دليل عليه بل أنه مخالف لسياق معنى الحديث، كما أنه ليس هناك سند صحيح يدل على الألفاظ والكيفية التي كانت ترقي بها الشفاء رضي الله عنها. وروى الحاكم في المستدرك بسند ضعيف فيه مجهول كيفية هذه الرقية : (بسم الله صلوب حين يعود من أفواهها، ولا تضر أحداً، اللهم اكشف البأس رب الناس، قال: ترقي بها على عود كرم سبع مرات، وتضعه مكاناً نظيفاً، ثم تدلكه على حجر، وتطليه على النورة). وروى أبو نعيم في الآحاد والمثاني بسند به نفس المجهول رقية النملة (بسم الله صلقٌ صلبٌ جبرٌ، تعوذاً من أفواهها ولا تضر أحداً، اللهم اكشف البأس رب الناس، ترقي بها على عود كركم سبع مرار وتضعه مكاناً نظيفا ثم تدلكه على حجر بخلِّ خمر ثفيف وتطليه على النملة) لكن كما قلنا لا يوجد ما يدل على كيفية هذه الرقية سند صحيح ولا حسن. ويُلاحظ أنه كان يكفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بتعليم حفصة رضي الله عنها الرقية، لكنه – صلى الله عليه وسلم – زاد بقوله (كما علمتيها الكتابة)، وفي هذه الزيادة دليل على نبوته ومعجزاته حيث قد جاء في زماننا من أعداء الإسلام من يدعي أن الإسلام يمنع تعليم المرأة، وهذا الحديث ردٌّ عليه.

[7] المرجع السابق.

[8] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أَخْنَى الأَسْمَاءِ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ اللهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ)، صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب أبغض الأسماء إلى الله.

[9] تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ، فخر الدين الزيلعي الحنفي (المتوفى: 743 هـ)،كتاب الكراهية، فصل في البيع.

[10] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي (المتوفى: 1230هـ)، باب في أحكام الجعالة.

[11] موطأ الإمام مالك، رواية الشيباني- باب الرقى، رواية الزهري-كتاب الجامع-باب التعوذ والرقية في المريض.

[12] تهذيب الكمال للمزي، عمَرة بنت عَبْد الرحمن بْن سعد بْن زرارة الأَنْصارِيّة المدنية.

[13] تهذيب التهذيب لابن حجر، كتاب النساء، حرف العين المهملة، من اسمها عمرة، “ع – عمرة” بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية.

[14] المرجع السابق.

[15] المرجع السابق.

[16] الأم للشافعي، مسائل في أبواب متفرقة، باب ما جاء في الرقية.

[17] له عدة روايات كلها ضعيفة لجهالة أحد الرواة منها ما جاء في سنن أبي داوود عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ –ابن مسعود رضي الله عنهما – عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنَّ الرُّقَى، وَالتَّمَائِمَ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ)، قَالَتْ: قُلْتُ: لِمَ تَقُولُ هَذَا؟ وَاللهِ لَقَدْ كَانَتْ عَيْنِي تَقْذِفُ وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ يَرْقِينِي فَإِذَا رَقَانِي سَكَنَتْ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّمَا ذَاكَ عَمَلُ الشَّيْطَانِ كَانَ يَنْخُسُهَا بِيَدِهِ فَإِذَا رَقَاهَا كَفَّ عَنْهَا، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا)، والرواية كما ذكرتُ سندها ضعيف، أما قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الرُّقَى، وَالتَّمَائِمَ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ) وقوله صلى الله عليه وسلم (أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) فصحيح لغيره في أحاديث أخرى.

[18] سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، محمد ناصر الدين الألباني، حديث 9272.

[19] العلل الواردة في الأحاديث النبوية للدارقطني.

[20] سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها للألباني، حديث 1931.

[21] صحيح ابن حبان، كتاب الرقى والتمائم، ذكر الخبر المصرح بإباحة الرقية للعليل بغير كتاب الله ما لم يكن شركاً.

[22] الشذوذ في السند فإن رواية ابن حبان عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها بينما في رواية مالك لم تُذكر عائشة رضي الله عنها في السند، وفي المتن فإنَّ رواية حبان فيها أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة رضي الله عنها بينما في رواية الإمام مالك أنَّ أبابكر رضي الله عنه دخل عليها رضي الله عنها.

[23] تقريب التهذيب لابن حجر، حرف الميم، ذكر من اسمه محمد، محمد ابن عبد الله ابن الزبير ابن عمر ابن درهم الأسدي أبو أحمد الزبيري الكوفي، والثوري أي سفيان الثوري رحمه الله.

[24] تهذيب الكمال للمزي، باب الميم، من اسمه محمد، مُحَمَّد بن عَبد اللَّه بن الزبير بن عُمَر بن درهم الأَسلميّ، أَبُو أَحْمَد الزبيري الكوفي، مولى بني أسد.

[25] المرجع السابق.

[26] سير أعلام النبلاء للذهبي، الطبقة الرابعة من التابعين، يحيى بن سعيد.

[27] روى هذا الحديث ابن أبي شيبة في مصنفه وهو من بيت علم بل من أجل الحفاظ وصاحب مصنفات كما أنه من أقران الإمام أحمد بن حنبل في السن والحفظ، كذلك رواه البيهقي في السنن الكبرى وهو من يقول عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء (الحافظ العلامة، الثبت، الفقيه، شيخ الإسلام)، ويرويه البيهقي عن الفقيه أبي طاهر محمد بن محمد بن محمش، وكان أبو طاهر (إمام أصحاب الحديث وفقيههم ومفتيهم بلا مدافعة بنيسابور) كما جاء في طبقات الشافعيين لابن كثير ، وأبو طاهر يرويه عن أحمد السلمي الذي يقول عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء (الإمام، الحافظ الصادق) كما يقول عنه الذهبي (كان محدث خراسان في زمانه)، ويروي الذهبي عن الحاكم أن السلمي (أحد أئمة الحديث، كثير الرحلة، واسع الفهم، مقبول عند الأئمة في أقطار الأرض)، والسلمي يرويه عن محمد بن يوسف الفريابي وهو من قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء (الإِمَامُ، الحَافِظُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ) ويروي الذهبي عن البخاري أنه قال عن الفريابي (وَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ أَهْلِ زَمَانِهِ)، والفريابي يرويه عن سفيان الثوري الذي هو كما قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (شَيْخُ الإِسْلاَمِ، إِمَامُ الحُفَّاظِ، سَيِّدُ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ فِي زَمَانِهِ)، ومع أن رواية البيهقي رجالها ثقات كما قال النووي في المجموع إلا أنَّ بها شذوذاً في السند قد يكون بسبب أن الفريابي كان يخطئ في بعض أحاديث سفيان، لكن الشاهد أنَّ كل هؤلاء الرواة العلماء الثقات لم يستنكروا استرقاء عائشة رضي الله عنها من اليهودية كذلك لم يستنكروا إقرار أبي بكر -رضي الله عنه – على ذلك مما يدل على عدم فهمهم للرقية أنها دعاء أو عبادة. كما أنَّ أمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجر العسقلاني ذكر رواية الموطأ في فتح الباري في شرح باب الرقى ولم يضعفها ولم يستنكرها.

[28] رواه الحاكم في المستدرك وصححه، أول كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر، ورواه الترمذي في سننه وقال حديث حسن غريب.

[29] رواه الحاكم وصححه في المرجع السابق، ورواه الترمذي في سننه وقال حديث حسن صحيح.

[30] نقله ابن حجر في فتح الباري في شرح حديث عائشة رضي الله عنها (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ فِي المَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ…).

آخر فعاليات الأكاديمية:

Open chat تواصل معنا
مرحبا.. كيف يمكننا خدمتك؟
Hi.. Can we help you?