جديدنا:

  • تم افتتاح كلية العلوم الطبية في تخصصات الطب البديل والتكميلي وغيرها.. بجميع الدرجات العلمية (بكالوريوس – ماجستير -دكتوراه) وبنظام الدراسة عن بعد أو معادلة الخبرات – وباعتماد من التعليم العالي والخارجية والسفارات – للتفاصيل اضغط هنا
  • اعتماد الدورات من كليات عالمية وتوثيق من الخارجية والسفارات.
  • يمكننا تشخيص حالتك وعمل جلسات الرقية الشرعية عن بعد: اضغط هنا للمزيد…

المقال التاسع: العين والحسد


المقال التاسع: العين والحسد

ماهية العين والحسد:

لا يعرف ماهية العين والحسد بالضبط جزماً أحد إلى الآن لأنه ليس هناك دليل نقلي على تعريفهما، ولم تقم أبحاث معاصرة تدرسها، فليس أمامنا إلا كلام القدماء، فأنقل مقتطفات مما ذكره الإمام ابن القيم[1] رحمه الله فيقول:

(فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّ الْعَائِنَ إِذَا تَكَيَّفَتْ نَفْسُهُ بِالْكَيْفِيَّةِ الرَّدِيئَةِ، انْبَعَثَ مِنْ عَيْنِهِ قُوَّةٌ سُمِّيَّةٌ تَتَّصِلُ بِالْمَعِينِ، فَيَتَضَرَّرُ….

وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى: لاَ يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَنْبَعِثَ مِنْ عَيْنِ بَعْضِ النَّاسِ جَوَاهِرُ لَطِيفَةٌ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ، فَتَتَّصِلُ بِالْمَعِينِ، وَتَتَخَلَّلُ مَسَامَّ جِسْمِهِ، فَيَحْصُلُ لَهُ الضَّرَرُ)،

ثم يؤيد رحمه الله القول الأول ويقول المقصود بالنفس هي الروح، فيرى أنها من تأثير الأرواح ويقول عنها (وَهِيَ سِهَامٌ تَخْرُجُ مِنْ نَفْسِ الْحَاسِدِ وَالْعَائِنِ نَحْوَ الْمَحْسُودِ وَالْمَعِينِ تُصِيبُهُ تَارَةً وَتُخْطِئُهُ تَارَةً).

أما التفسير العصري فذهب بعضهم إلى أنها أيونات، فالعين عبارة عن أيونات موجبة تزيد المعيون تأينا بالموجب، والحسد عبارة عن أيونات سالبة تزيد المحسود تأيناً بالسالب. وقال من درس علم الطاقة أنهما عبارة عن طاقة سلبية تعطل مسارات الطاقة في جسم الإنسان، ومن درس الطب اليوناني قال أن العين عبارة عن برودة تزيد المعيون من الطبيعة الباردة، والحسد عبارة عن حرارة تزيد المحسود من الطبيعة الحارة.

وكل ما سبق من كلام القدماء والمعاصرين ليس عليه دليل نقلي، ولا أبحاث علمية حتى نجزم بالماهية. ولأَنَّنا تجاهَلناَ هذهِ المسائلَ فقد جَهِلنا بكثيرٍ مِنَ الدَّقَائَق والتَّفَاصِيل حَوْلهَا، وأَصْبحَ النَّاسُ لا يعرِفونَ الفرْقَ بينَ العينِ الحَسَد. وَلَوْ سألتَ الكثيرَ الآنَ لمَاَ اسْتَطاعُوا التَّمْيِيزَ بَينَهَا.

العين:

فَأما العَينُ فهِيَ مِنَ المحبَّةِ والإعجابِ، وَغالباً تُصيبُك مِنْ شَخْصٍ قريبٍ مِنْك، ربما عزيزٍ وغالٍ عليك، تُحِبُّه ويحبُّك، قد يكونُ أحدُ والدَيْكَ أو أبنائِك، أو الزَّوجَ أو أحدَ الأقاربِ أو الجيران، وقد يكونُ أحدَ زُملائِكَ في المدرسةِ أو العملِ أو الحيّ، أو أيَّ شخصٍ تكونُ بينكَ وبينَهُ مَودَّةٌ وَمَعْرِفة، ورُبَّما تكونُ أنْتَ مَنْ أصبتَ نفسكَ بهذِهِ العَين. وهذِهِ العينُ مثل الَّتيِ خَرَجَتْ مِنَ الصَّحابي الجَليلِ عامِرَ بْنَ ربيعة رضي الله عنه فأصابَتِ الصَّحابي الجليلَ سَهْلَ بْنَ حنِيف رضي الله عنه مسبِّبَةً لَهُ شَللاً مُفاجئاً. وقصة هذين الصحابِيَّيْنِ الجليلين مشهورة وردت بعدة روايات في عدة كتب منها: [عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَى عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ (رضي الله عنه) سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ (رضي الله عنه) يَغْتَسِلُ، فَقَالَ: والله مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلاَ جِلْدَ مُخْبَأَةٍ، فَلُبِطَ سَهْلٌ مكانه، فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ لَكَ فِي سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ(رضي الله عنه)؟ وَاللهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَقَالَ: (هَلْ تَتَّهِمُونَ بهِ مِنْ أَحَدٍ؟) فقَالُوا: نَتَّهِمُ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ (رضي الله عنه)، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامِر بن ربيعة(رضي الله عنه)، فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: (عَلاَمَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟ أَلاَ بَرَّكْت؟ اغْتَسِلْ لَهُ)، فَغَسَلَ له عَامِرٌ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صُبَّ عَلَيْهِ، فَرَاحَ سَهْلٌ بن حنيف (رضي الله عنه) مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ[2]]. وحَاشَا هذين الصَّحَابِيَّيْنِ رضوانُ اللهِ عليهما أن تكونَ بينهمْ عداوةٌ أو بغضاءْ فَكِلاَهُما يحبُّ صَاحبهُ في اللهِ ويتعامَلُون كالإخوانِ تماماً. وأكثرُ أعراضِ عينِ الإعجابِ الخُمولُ والكَسَلُ وآلامُ الصُّداعِ والكَتِفينِ والظَّهْر، فهيَ عينٌ باردةٌ تزيدكَ برودةً في الطباع، وقد تؤدي إلى إصابتك بالأمراض أو بالشلل، كما أنها قد تقتل، والتفصيلُ فيها يحتاج إلى أبحاثٍ ودِراسات. وهذه العينُ هي أكثرُ الأمراضِ انتشاراً، وسببُ انتشارِهَا في زمنِنَا هذا خاصَّةً له ثلاثة أسباب، وهي كالتالي:

1-   الغفلة عن التبريك وقول بارك الله وعدم التعود على ذلك.

2-   كثرة الناس والمعارف، فقديما كان لا يعرف الشخصَ إلا عددٌ محدودٌ ممن حوله في مكان إقامته أو بعض الأمصار التي يسافر إليها، أما الآن فكثر المعارف مع ازدياد السكان، واتساع المدن، كما أن شهرة الشخص تصل إلى عدد أكبر ومسافة أبعد بسبب وسائل الإعلام التي نراها بين أيدينا اليوم.

3-   بعكس ما كان في السابق فإننا لمْ نَعُدْ نأخُذُ مِنْ آثارِ بَعْضِنَا كَمَا كَانَ يحدُثُ في السَّابِق، فقديماً كانَ جميعُ النَّاسِ يَأْكُلونَ مِنَ صَحْنٍ وَاحِدٍ وَيَشْرَبُونَ مَنْ كَأْسَاتٍ وَاحِدَة، ويتَوَضَّؤُونَ مِنْ حَوضٍ وَاحِد، وبَواقِي أكلِهِم مِنَ الطَّعامِ مِثْلَ الحُبُوبِ وَالخُضَارِ وَنَوَى التَّمْرِ وَغَيْرِهِ كَانُوا يُعْطُونَهُ غِذَاءً لَحَيَواناتِهِم ثم يشربون حليب هذه الحيوانات ويأكلون مِنْ بَيْضِهَا وَلحَمِهَا، فكانَ الجميعُ يأخُذُ مِنْ آثَارِ غَيرِهِم مِنْ دُون أن يَشعُرُوا بذلك. لكنَّنَا في زماننا هذا الذي أقنعونا فيه بخطورة الفيروسات والبكتريا أصبحنَا لاَ نُشاركُ أَحداً في طَعامِنَا وَشَرَابِنَا، بَلْ نَأكُلُ ونَشْرَبُ في صُحُون وكَأْسَات من البلاستيك وَنَرمِيهَا. كمَا أنَّنا أصبحْنَا نَسْكُنُ فيِ أَمَاكِنَ مُتَبَاعِدَةٍ فَقَلَّتْ لِقَاءَاتُنا، وازدَادَ انْشِغَالُنَا بِأَنْفُسِنَا فَنَدُرَتْ اجْتِماعَاتُنَا. ولذا فإنَّه مِنَ المفيدِ جِدًّا أخذُ آثارِ القرِيبينَ مِنكَ سَواءً قُمْتَ بِتشخيصِ نَفْسِكَ أَمْ لمَ تَفعَل، وَأَسهلُ الطُّرُقِ لِفِعْلِ ذَلكَ ذَكرتُهَا فيِ قسمِ الفوائدِ فاستفدْ منهَا، وانفعْ بهِاَ كُلَّ مَنْ حَولَك.

أما ما يظنه الناس أن العين سببها ضعف الإيمان أو عدم التحصين فهذا أمر خاطئ، ولوْ كَانَ ماَ يظُنُّه النَّاسُ صَحَيحاً لكانَ الصَّحَابيُّ عامر بنُ ربيعة رضي الله عنه [3] مطعوناً فيهِ وفي إيمانه حاشَاهُ أنْ يكونَ كذلك.

وإذَا عَلِمتَ الشَّخصَ الَّذِي أعطاكَ هذه العين فَلا تأخذْ في نَفْسِكَ أيَّ شَيْءٍ عَليه، وإنَّما زِدْهُ محبَّةً وتقديراً كما أحبَّك، واطْلُبْ مِنْهُ أَنْ يُعوِّدَ نَفْسهُ على قول بارك الله عندما يرى شيئاً يُعجِبُه أو أن يدعو بالبركة، ولا تُسَهِّل طَرِيقاً للشَّيطان ليُفرِّق بينَكَ وبينَ مَنْ تعرف بِسُوء الظُّنُونِ والأَوْهَام.

الحسد:

وأمَّا الحَسَدُ فهوَ تمَنِّي زوالَ النِّعمة، وحُرقَةٌ فيِ النَّفسِ الفاسِدَةِ على نعمةٍ رزَقَكَ اللهُ إيَّاهَا، فيكونُ مِنْ شخصٍ حاقدٍ مُعتَرِضٍ على قضاءِ الله، وقدْ يكونُ منافقاً يظهرُ مِنْهُ المحبَّةُ والطِّيبَة ولكنَّ قَلبَهُ يُخفِي الحَسَدَ وَالحِقْدَ وَالمَكْر، أَعَاذَنَا اللهُ جميعاً مِنْ هَؤُلاء. وغالباً يُسبِّبُ لكَ الحَسَدُ زِيَادةً في الحَرَارة، فتزيدُكَ سُرْعة غَضَبٍ وَأعرَاضَ قُولُونٍ مَنْ مَشاكلٍ في البطنَ والغَازَات، كذلك قد يُؤدِّي إلى الإصابة بالسَّرَطَان والأورَام الخبيثة نَسْألُ اللهَ السَّلامة والعَافية، والله أعلم.

ملحوظة:

لتفهم ماذا نقصد بأن العين والحسد تسبب الأمراض المذكورة راجع الفصل السابق.

علاقة العين والحسد بالجن:

كِلاَ المَرَضين أَعْني العينُ والحَسَدُ غَالباً يَصْحَبُهُما الجِنّ وربما دائماً، فيُعتبران مِثْل المَدخلِ لَه، وكذلكَ مُقَوِّياً لِرَبْطِهِ بِالجَسَد، وهذا المدخَل سببٌ يسمح للجن بالدخول والخروج حتى ولو تحصَّن الشخص لاحقاً أو حفظ كتاب الله أو مهما فعل من الطاعات، فكونه قد أصيب سابقاً بالعين أو الحسد فإن ذلك قد فتح في جسده مدخلاً مثل النافذة للجن، وللتَّخَلُّص مِنَ هذا الجن فإنه يجبُ إغلاق هذه المداخل والنوافذ بالتَّخلُّصُ مِنَ العُيونِ والحَسَد أَوَّلا.

مصدر العين والحسد:

 لأنَّ تعَامُلَناَ غالباً مع البشر، فإنَّ أكثر العيون التي تصيبنا أو الحسد الذي يُسلَّط علينا مصدرهما من البشر، لكن قد يصيبك عين أو حسد من الجن، فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان ثم أعين الإنس فلما نزلت المعوذتان أخذهما وترك ما سوى ذلك)[4]، قال أنَّ ابن القيم رحمه الله: (وَالْعَيْنُ: عَيْنَانِ: عَيْنٌ إِنْسِيَّةٌ، وَعَيْنٌ جِنِّيَّةٌ، فَقَدْ صَحَّ عَنْ أم سلمة رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ، فَقَالَ: [اسْتَرْقُوا لَهَا، فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ][5] قَالَ الحسين بن مسعود الفراء: وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم [سَفْعَةٌ] أَيْ نَظْرَةٌ يَعْنِي: مِنَ الْجِنِّ. يَقُولُ: بِهَا عَيْنٌ أَصَابَتْهَا مِنْ نَظَرِ الْجِنِّ أَنْفَذُ مِنْ أَسِنَّةِ الرِّمَاحِ[6])[7]. وأضيف إلى تصنيف ابن القيم هنا عيناً ثالثةً وهي عين الحيوان، فقد يصيبك عين أو حسد من الحيوانات، وهذا قد عُرِفَ بالتجربة.

معرفة العائن:

من أصح العلاجات وأسرعها أخذ الأثر من العائن، ونرى في حادثة الصَّحابيَّيْن أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتطرق بتاتا إلى الرقية، بل سأل العائن ليأخذ أثره مما يدل أن أخذ الأثر بالماء هو أفضل من الرقية ومن أي علاج آخر، والسعي في معرفة العائن لا يدخل في علم الغيب، فنحن لا نتكلم عمن سيعطيك عينا غداً أو في المستقبل، وإنما نتكلم عمن أعطاك عينا في الماضي ولذلك السبب أنت تعاني وتتألم. وكذلك هو ليس بفتنة، ومن قال أنه مدعاة للفتنة فقد اتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه فتان لما سأل عمن أصاب سهل بن حنيف بالعين[8]، حاشاه صلى الله عليه وسلم أن يكون فتانا أو محرضا. ومن ادعى أن هذا من علم الغيب فقياساً عليه نقول أنه إذا سرق أحد منزلك فيجب عليك أن لا تبلغ الشرطة لأن السارق من علم الغيب، والشرطة ستأتي لأخذ البصمات وهذه طريقة لم تكن موجودة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عهد السلف الصالح، ثم إن الشرطة قد تستدعي أقاربك وجيرانك للتحقيق أو للاشتباه بهم وهذا يولد فتنة بين الناس. وإن كنت لا تعلم طريقة يمكن بها معرفة العائن فقل لا أعرف كيف يمكن ذلك، ولا تبرر عدم علمك بادعائك أنه من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. وأقول الحمد لله أن جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلنا على مفتاح الدواء، ويرفع عنا الحرج في العلاجات، وكفى بسنته هداية وسدادا.

التهويل والمبالغة:

لا شك أنَّ الإنصاف مطلب عزيز، والموازنة لازمة لمساواة كفتي الميزان، فلا إفراط ولا تفريط، لا إهمال ولا تشديد، لكن الميزان ليس ميزاننا حتى نتحكم في معاييره، وإنما ميزان رب العالمين، هو الذي خلق وسوى، وعلم وهدى، وهو الذي يعرف ما هو خطر علينا وما درجة خطورته، ورسوله صلى الله عليه وسلم هو المبلغ الأمين لذلك.

ولماَّ يحذِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من خطورة العين، فيبين أنها أكثر الأسباب المؤدية إلى وفاة الناس من أمته؛ فيقول صلى الله عليه وسلم: (أَكْثَرُ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أُمَّتِي بَعْدَ كِتَابِ اللهِ عز وجل وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ بِالأَنْفُسِ)[9]، يقصد صلى الله عليه وسلم بذلك العين كما قال الراوي، وفي حديث آخر فإنه صلى الله عليه وسلم يؤكد خطرها فيقول عليه الصلاة والسلام (الْعَيْنُ تُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ وَتُدْخِلُ الجَمَلَ الْقِدْرَ)[10]، ويشرح العلماء هذه الأحاديث فيؤكدون خطورة العين، فإن العجب يأتي ممن يهوِّن من أمرها ويخفف من خطرها ويقلل من أثرها.

عندما تأتي منظمة الصحة العالمية البشرية، الناشئة في رحم نظام الرأسمالية الذي همه جمع المال بأي طريق، والسعي نحو الثراء الفاحش ولو بالكذب والخداع، هذه المنظمة التي ترعرعت تحت رعاية النظام العالمي الجديد؛ الذي يريد فرض سيطرته على العالم كله، فتُحذِّر من إنفلونزا الطُّيور أو غيرها من الفيروسات، وتقوم دول العالم كلها بتناقل التحذير، وذبح الطيور، وشراء الأمصال واللقاحات، وتوزيعه في المدارس والمستشفيات، وتقوم حملات إعلامية كثيفة قوية على مستوى العالم كله، وعلى مستوى الدول والأفراد، وجميع قنوات التلفاز والمذياع وصحف الجرائد والإنترنت؛ وبقية وسائل الأخبار والاتصال؛ كلها تصدع ليل نهار تحذِّر من المرض، وتتناقل الأخبار فيمن أصيب ومن مات، ومن أخذ اللقاح ونجى، ومن قتل عصافيره، ومن مات غماً وكمداً أو خوفا، ويقوم الناس بإلغاء رحلاتهم السياحية وحتى رحلة العمرة والحج، ويتوقفون عن شراء كل أنواع الطيور، ومن قبل ذلك لحوم الماعز، وقبلها لحوم البقر، هذا كله يسمى تقدم وتطور واحتياط ووقاية صحية، وعدم إلقاء بالنفس إلى التهلكة، وتصرف حضاري لائق.

أما إذا حذَّرت مما حَذَّر منه الصاَّدق المصدوق الموحى إليه من رب الخلائق والذي لا ينطق عن الهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فيقال لك تباً لك ألهذا جمعتنا، ما هذا التهويل والمبالغة، والنفع والضر بيد الله، وأنت تعيش في زمن قديم، وتنشر وهما تقتل به نفسك وتزعج الآخرين، وما إلى ذلك من الجمل والعبارات التي تسمع وتقال ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولتحقيق الموازنة فإنه ليس من العيب والخطأ التحذير والحذر من العين، لكن الخطأ هو أن تعيش خائفاً متقوقعاً من أي شيء فيقيد حياتك. وليس من الخطأ أن تشخص نفسك أنك أصبت بالعين، لكن الخطأ أن لا تسعى لعلاج وحماية نفسك. ليس الخطأ أن تنتبه وتحذر، ولكن الخطأ أن لا تجمع ذلك مع التوكل على الله عز وجل. والله تعالى أعلم.

حكم العائن:

كذلك انتشر في زماننا التحذير ممن اشتهر عنهم القوة والكثرة في الإصابة بالعين، وهذا شيء طبيعي وبديهي، لكنه غريب وعجيب على من لم يتعود هذا المصطلح وهذه الثقافة، والإنسان عدو ما جهل، بل إنَّ معاملة العائن بطبعه مسألة فقهية مثل مسألة معاملة المجذوم ومَنْ به مرض معدي. قال الإمام ابن القيم رحمه الله (وَقَدْ يَعِينُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ، وَقَدْ يَعِينُ بِغَيْرِ إِرَادَتِهِ بَلْ بِطَبْعِهِ، وَهَذَا أَرْدَأُ مَا يَكُونُ مِنَ النَّوْعِ الإِنْسَانِيِّ، وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ: إِنَّ مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ حَبَسَهُ الإِمَامُ، وَأَجْرَى لَهُ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ إِلَى المَوْتِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ قَطْعاً)[11].

العلاج:

تم شرح العلاج وطريقة أخذ الأثر في فصل علاج العين والحسد فارجع إليه.

ملحوظة:

الحسد الذي تم الحديث عنه في هذا الفصل وفي هذا الكتيب هو الحسد المذموم –وقيل الحسد الحقيقي-، أما الحسد المحمود –وقيل الحسد المجازي- فهو تمني الحصول على ما عند الغير من دون تمني زوال النعمة، وهو ما يسمى بالغبطة فلم يتم تناوله هنا. قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ حَسَدَ إِلاَّ عَلَى اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الكِتَابَ، وَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَرَجُلٌ أَعْطَاهُ اللهُ مَالاً، فَهُوَ يَتَصَدَّقُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)[12]، وفي رواية أخرى (لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللهُ القُرْآنَ، فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ، فَقَالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلاَنٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الحَقِّ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلاَنٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ)[13]، وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: (لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَآخَرُ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا)[14].


[1] زاد المعاد، فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلاَجِ الْمُصَابِ بِالْعَيْنِ.

[2] رواه الإمام مالك في الموطأ.

[3] تم ذكر الحديث والمرجع في حاشية فصل (علاج العين والحسد).

[4] سنن ابن ماجه، كتاب الطب، باب العين، وصححه الألباني.

[5] صحيح البخاري، كتاب الطب، باب رقية العين.

[6] مثل كان يُضربُ عند العرب.

[7] زاد المعاد في هدي خير العباد، فصل الطب النبوي، فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْمُصَابِ بِالْعَيْنِ

[8] تم ذكر الحديث والمرجع في حاشية فصل (علاج العين والحسد).

[9] رواه الطيالسي في مسنده، والبخاري في التاريخ الكبير، والبزار كما في كشف الأستار، حسنه ابن حجر في فتح الباري. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، خَلاَ الطَّالِبِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَمْرٍو، وَهُوَ ثِقَةٌ). وقال ابن حجر عن في التقريب طالب بن حبيب صدوق يهم.

[10] رواه أبو نعيم في حلية الأولياء، وصححه السيوطي ورواه في الجامع الصغير، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير.

[11] الطب النبوي لابن القيم من زاد المعاد، فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج المصاب بالعين.

[12] صحيح البخاري.

[13] صحيح البخاري.

[14] صحيح البخاري.

آخر فعاليات الأكاديمية:

Open chat تواصل معنا
مرحبا.. كيف يمكننا خدمتك؟
Hi.. Can we help you?